اخر عشرة مواضيع :         وسع كرسيه السموات و الأرض (اخر مشاركة : مفآـآهيم الخ ـجل - عددالردود : 4 - عددالزوار : 18 )           »          الطيب صالح .. رحيل اديب (اخر مشاركة : علي العجمي - عددالردود : 2 - عددالزوار : 10 )           »          كلمات للمعاقين (اخر مشاركة : Ahmed Khaled - عددالردود : 3 - عددالزوار : 34 )           »          Writing an essay, 8 simple steps (اخر مشاركة : Ray of Hope - عددالردود : 6 - عددالزوار : 27 )           »          الصخور الكبيرة (اخر مشاركة : come back mom - عددالردود : 6 - عددالزوار : 32 )           »          لعبة السجن... (اخر مشاركة : come back mom - عددالردود : 371 - عددالزوار : 2412 )           »          ملابس للأطفال مرة جنان (اخر مشاركة : مفآـآهيم الخ ـجل - عددالردود : 5 - عددالزوار : 20 )           »          تظاهر بالعمى 15 سنة حبا في زوجته‏ (اخر مشاركة : Macbeth - عددالردود : 5 - عددالزوار : 28 )           »          جينزآـآآآآت روعهـ .. (اخر مشاركة : أم سلطان - عددالردود : 3 - عددالزوار : 23 )           »          Introduction to Syntax (اخر مشاركة : fares - عددالردود : 4 - عددالزوار : 111 )           »         

 
العودة   منتديات الجمعية العلمية للغات و الترجمة >
المنتديات العامة > الجمعية الإسلامي
 

الجمعية الإسلامي المواضيع والاستشارات التي تتعلق بالشريعة الإسلامية على منهج أهل السنة والجماعة

رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. طرق مشاهدة الموضوع
الـوسـام الافـتـراضـي 

المستوى: 34 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة: 1250 / 1250

النشاط: 552 / 859
الخـبـرة: 35%

قديم 12-07-2008, 12:42 PM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
Ray of Hope
Super Moderator
 
الصورة الرمزية Ray of Hope










Ray of Hope غير متواجد حالياً

اخر مواضيعي

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى Ray of Hope

Smile العشرة المبشرين بالجنة


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



جميعنا نعلم ان هناك 10 اشخاص قد بشرهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنه

وهم:

1.أبو بكر الصديق


2.عمر بن الخطاب


3.عثمان بن عفان


4.علي بن أبي طالب


5.طلحـة بن عبيد الله


6.الزبير بن العوام


7.سعد بن أبي وقاص


8.عبد الرحمن بن عوف


9.سعيد بن زيد


10.أبوعبيدة بن الجراح


في كل يوم واحد من العشرة المبشرين بالجنة رضوان الله و سلامه عليهم أجمعين إن شاء الله






التوقيع :


شكرا ً دكتورة ميمة , تسلم يمينك

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]


تسلم يمين من سوت التوقيع



كن شامخاً في تواضعك ،،

ومتواضع في شموخك ،،

فتلك واحدة من صفات العظماء ..
  رد مع اقتباس
الـوسـام الافـتـراضـي 

المستوى: 34 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة: 1250 / 1250

النشاط: 552 / 859
الخـبـرة: 35%

قديم 12-07-2008, 12:43 PM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
Ray of Hope
Super Moderator
 
الصورة الرمزية Ray of Hope










Ray of Hope غير متواجد حالياً

اخر مواضيعي

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى Ray of Hope

افتراضي


أبو بكر الصديق ...

سأبدأ بالمعلومه الاولى عن ابو بكر الصديق رضي الله عنه

هو عبد الله بن أبي قحافة، من قبيلة قريش، ولد بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم-

بثلاث سنيـن ، أمه أم الخير سلمى بنت صخر التيمية بنت عم أبيه ، كان يعمل بالتجارة

ومـن أغنياء مكـة المعروفين ، وكان أنسب قريشاً لقريش وأعلم قريـش بها وبما كان فيها

من خير وشـر وكان ذا خلق ومعروف يأتونه الرجال ويألفونـه اعتنـق الاسلام دون تردد فهو

أول من أسلم من الرجال الأحرار ثم أخذ يدعو لدين اللـه فاستجاب له عدد من قريش من

بينهم عثمـان بن عفـان ، والزبيـر بن العـوام ، وعبدالرحمـن بن عـوف ، والأرقـم

ابن أبي الأرقـم






التوقيع :


شكرا ً دكتورة ميمة , تسلم يمينك

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]


تسلم يمين من سوت التوقيع



كن شامخاً في تواضعك ،،

ومتواضع في شموخك ،،

فتلك واحدة من صفات العظماء ..
  رد مع اقتباس
الـوسـام الافـتـراضـي 

المستوى: 34 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة: 1250 / 1250

النشاط: 552 / 859
الخـبـرة: 35%

قديم 12-07-2008, 12:44 PM   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
Ray of Hope
Super Moderator
 
الصورة الرمزية Ray of Hope










Ray of Hope غير متواجد حالياً

اخر مواضيعي

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى Ray of Hope

افتراضي


تتمة للصديق



أبوبكرالصّدّيق رَضيَ اللهُ عَنْهُ

هذا الرجل الذي عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار، فألقى له حب الحب على روض الرضا، واستلقى على فراش الفقر آمناً مطمئناً، فرفع الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة، وتركه هنالك يغرد لهذا الرجل العظيم بأغلى وأعلى فنون المدح، وهو يتلو في حبه قول ربه { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل:17-21].

إنه الرجل الذي لم يتلعثم ولم يتردد لحظة من لحظات حياته في إسلامه وإيمانه بالله جل وعلا وبرسوله صلى الله عليه وسلم، إنه الرجل الذي كان شعاره إذا تأزمت الأمور وتشككت الصدور: إن كان محمد صلى الله عليه وسلم قد قال ذلك فقد صدق، ولذا فقد استحق هذا الرجل بجدارة أن يسمى صديق هذه الأمة إنه أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه! إنه أحب الرجال إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه البخاري من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: ( قلت: يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت: ثم من؟ قال: عمر ).

إنه أحب الرجال إلى قلب أستاذه ومعلمه محمد صلى الله عليه وسلم!! ولم لا يكون أبو بكر أحب الرجال إلى قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول رجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، يوم أن قال له الناس في مكة: كذبت؟! وهو الرجل الذي قدم ماله وعمره وحياته ونفسه وروحه لله جل وعلا ولأستاذه ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما منكم من أحد كان له عندنا يد إلا كافأناه بها إلا الصديق فإنا لم نستطع مكافأته فتركنا مكافأته لله عز وجل ).



أولاً: أسمه ونسبه وكنيته وألقابه:


هو عبدالله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي، ويلتقي مع النبي في النسب في الجد السادس مرة بن كعب ويكنى بأبي بكر، وهي من البكر وهو الفتى من الإبل، والجمع بكارة وأبكر وقد سمَّت العرب بكراً، وهو أبو قبيلة عظيمة ولُقب أبوبكر بألقاب عديدة كلها تدل على سمو المكانة، وعلو المنزلة وشرف الحسب منها:

1- العتيق:

لقبّه به النبي فقد قال له : (أنت عتيقُ الله من النار) فسُمِّيَ عتيقاً وفي رواية عائشة قالت: دخل أبو بكر الصديق على رسول الله فقال له رسول الله : (أبشر فأنت عتيق الله من النار)، فمن يؤمئذ سُمي عتيقاً، وقد ذكر المؤرخون أسباباً كثيرة لهذا اللقب، فقد قيل: إنما سمي عتيقاً لجمال وجهه، وقيل لأنه كان قديماً في الخير، وقيل سمي عتيقاً لعتاقة وجهه، وقيل إن أم أبي بكر كان لايعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به الكعبة وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت فهبه لي، ولا مانع للجمع بين بعض هذه الأقوال، فأبي بكر جميل الوجه، حسن النسب، صاحب يد سابقة الى الخير، وهو عتيق الله من النار بفضل بشارة النبي له .


2- الصديق:

لقبه به النبي ففي حديث أنس أنه قال: أن النبي صعد أحداً، وأبوبكر، وعمر، وعثمان، فوجف بهم فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان

وقد لقب بالصديق لكثرة تصديقه للنبي وفي هذا تروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فتقول: لما أسري بالنبي الى المسجد الاقصى، أصبح يتحدث الناس بذلك، فارتد ناسُ، كانوا آمنوا به وصدقوه وسعى رجال الى أبي بكر، فقالوا: هل لك الى صاحبك؟ يزعم أن أسري به الليله الى بيت المقدس! قال: وقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن قال ذلك فقد صدق. قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة الى بيت المقدس، وجاء قبل أن يصبح؟!! قال نعم ، إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبوبكر الصديق.

وقد أجمعت الأمة على تسميته بالصديق لأنه بادر الى تصديق الرسول ولازمه الصدق فلم تقع منه هناة أبداً، فقد اتصف بهذا اللقب.



3- الصاحب:


لقبه به الله عز وجل في القرآن الكريم: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة، الآية:40) وقد أجمع العلماء على أن الصاحب المقصود هنا هو أبوبكر، فعن أنس أن أبا بكر حدثه فقال: قلت للنبي e وهو في الغار: لو أن أحدهم نظر الى قدميه لأبصرنا تحت قدميه!! فقال النبي e: (ياأبابكر ماظنك باثنين الله ثالثهما) .

قال الحافظ رحمه الله: ومن أعظم مناقبه قول الله تعالى: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا......... إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}فإن المراد بصاحبه هنا أبوبكر بلا منازع، والاحاديث في كونه كان معه في الغار كثيرة شهيرة ولم يشركه في المنقبة غيره.



4- الأتقى:


لقبه به الله عز وجل في القرآن العظيم في قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} (سورة الليل، الآية: 17).



5- الأواه:


لقب أبو بكر بالأواه وهو لقب يدل على الخوف والوجل والخشية من الله تعالى، فعن ابراهيم النخعي قال: كان أبوبكر يسمى بالأواه لرأفته ورحمته




ثانياً: مولده وصفته الخَلْقية:



لم يختلف العلماء في أنه ولد بعد عام الفيل، وإنما اختلفوا في المدة التي كانت بعد عام الفيل، فبعضهم قال بثلاث سنين، وبعضهم ذكر بأنه ولد بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وآخرون قالوا بسنتين وأشهر ولم يحددوا عدد الأشهر، وقد نشأ نشأة كريمة طيبة في حضن أبوين لهما الكرامة والعز في قومهما مما جعل أبا بكر ينشأ كريم النفس، عزيز المكانة في قومه.

وأما صفته الخِلقية، فقد كان يوصف بالبياض في اللون، والنحافة في البدن، وفي هذا يقول قيس بن أبي حازم: دخلت على أبي بكر، وكان رجلاً نحيفاً، خفيف اللحم أبيض، وقد وصفه أصحاب السير من افواه الرواة فقالوا: أن أبا بكر اتصف بأنه: كان أبيض تخالطه صُفرة، حسن القامة، نحيفاً خفيف العارضين، أجنأ، لايستمسك إزاره يسترخي عن حقويه رقيقاً معروق الوجه، غائر العينين، اقنى، حمش الساقين، ممحوص الفخذين، وكان ناتئ الجبهة، عاري الأشجاع ويخضب لحيته، وشيبه بالحناء والكتم.




ثالثاً: أسرته:


أما والده، فهو عثمان بن عامر بن عمرو يكنى أبا قحافة أسلم يوم الفتح، وأقبل به الصديق على رسول الله e فقال: ياأبا بكر هلا تركته، حتى نأتيه، فقال أبوبكر: هوأولى أن يأتيك يارسول الله، فأسلم أبو قحافة وبايع رسول الله ، ويروى أن رسول الله هنأ أبا بكر بإسلام أبيه، وقال لأبي بكر غيروا هذا من شعره، فقد كان رأس أبي قحافة مثل الثغامة.

وفي هذا الخبر منهج نبوي كريم سنَّهُ النبي في توقير كبار السن واحترامهم ويؤكد ذلك قوله (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا) .

وأما والدة الصديق، فهي سلمى بن صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم وكنيتها أم الخير أسلمت مبكراً وسيأتي تفصيل ذلك في واقعة إلحاح أبي بكر على النبي على الظهور بمكة

وأما زوجاته؛ فقد تزوج من أربع نسوة أنجبن له ثلاثة ذكور وثلاث إناث وهنّ على التوالي:


1- قتيلة بنت عبدالعزى بن أسعد بن جابر ابن مالك:


اختلف في إسلامها، وهي والدة عبدالله وأسماء وكان أبوبكر طلقها في الجاهلية- وقد جاءت بهدايا فيها أقط وسمن الى إبنتها أسماء بنت أبي بكر بالمدينة، فابت أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها فأرسلت الى عائشة تسأل النبي فقال النبي : (لِتُدْخِلها ولتقبل هديتها)، وأنزل الله عز وجل {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (سورة المتحنة، الآية:8) أي لايمنعكم الله من البر والإحسان وفعل الخير الى الكفار الذين سالموكم ولم يقاتلوكم في الدين كالنساء، والضعفة منهم كصلة الرحم، ونفع الجار، والضيافة، ولم يخرجوكم من دياركم، ولايمنعكم أيضاً من أن تعدلوا فيما بينكم وبينهم، بأداء مالهم من الحق، كالوفاء لهم بالوعود، وأداء الأمانة، وإيفاء أثمان المشتريات كاملة غير منقوصة، إن الله يحب العادلين، ويرضى عنهم، ويمقت الظالمين ويعاقبهم



2- أم رومان بنت عامر بن عويمر:


من بني كنانة بن خزيمة، مات عنها زوجها الحارث بن سخبرة بمكة، فتزوجها أبوبكر، وأسلمت قديماً، وبايعت، وهاجرت الى المدينة وهي والدة عبدالرحمن وعائشة رضي الله عنهم، وتوفيت في عهد النبي e بالمدينة سنة ست من الهجرة.



3- أسماء بن عُمَيس بن معبد بن الحارث:


أم عبدالله، من المهاجرات الأوائل، أسلمت قديماً قبل دخول دار الأرقم، وبايعت الرسول وهاجر بها زوجها جعفر بن أبي طالب t الى الحبشة، ثم هاجرت معه الى المدينة فاستشهد يوم مؤتة، وتزوجها الصديق فولدت له محمداً روى عنها من الصحابة : عمر، وأبو موسى، وعبدالله بن عباس، وأم الفضل امرأة العباس، فكانت أكرم الناس أصهاراً فمن أصهارها: رسول الله وحمزة، والعباس وغيرهم.



4- حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير:


الانصارية، الخزرجية وهي التي ولدت لأبي بكر أم كلثوم بعد وفاته وقد أقام عندها الصديق بالسُّنح.



وأما أولاد أبي بكر رضي الله عنهم فهم:


1- عبدالرحمن بن أبي بكر:


أسن ولد أبي بكر: أسلم يوم الحديبية، وحسن إسلامه وصحب رسول الله وقد إشتهر بالشجاعة وله مواقف محمودة ومشهودة بعد إسلامه.


2- عبدالله بن أبي بكر:

صاحب الدور العظيم في الهجرة، فقد كان يبقى في النهار بين أهل مكة يسمع أخبارهم ثم يتسلل في الليل الى الغار لينقل هذه الأخبار لرسول الله وأبيه، فإذا جاء الصبح عاد الى مكة، وقد أصيب بسهم يوم الطائف، فماطله حتى مات شهيداً بالمدينة في خلافة الصديق.



3- محمد بن أبي بكر:


أمه أسماء بنت عميس، ولد عام حجة الوداع وكان من فتيان قريش، عاش في حجر علي بن أبي طالب، وولاه مصر وبها قتل.



4- أسماء بنت أبي بكر:


ذات النطاقين أسن من عائشة، سماها رسول الله ذات النطاقين لأنها صنعت لرسول الله ولأبيها سفرة لما هاجرا فلم تجد ماتشدها به فشقت نطاقها، وشدت به السفرة فسماها النبي بذلك، وهي زوجة الزبير بن العوام وهاجرت الى المدينة وهي حامل بعبدالله بن الزبير فولدته بعد الهجرة فكان أول مولود في الاسلام بعدالهجرة، بلغت مائة سنة ولم ينكر من عقلها شيء، ولم يسقط لها سن، روى لها عن الرسول ستة وخمسون حديثاً، روى عنها عبدالله بن عباس، وأبناؤها عبدالله وعروة، وعبدالله بن أبي مُلَيْكة وغيرهم وكانت جوادة منفقة توفيت بمكة سنة 73هـ.



5- عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها:


الصديقة بنت الصديق تزوجها رسول الله وهي بنت ست سنين، ودخل بها وهي بنت تسع سنين، وأعرس بها في شوال، وهي أعلم النساء، كناها رسول الله أم عبدالله، وكان حبه لها مثالاً للزوجية الصالحة.

كان الشعبي يحدث عن مسروق أنه إذا تحدث عن أم المؤمنين عائشة يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق المبرأة حبيبة حبيب الله ومسندها يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث (2210) اتفق البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثاً، وانفرد البخاري باربعة وخمسين، وانفرد مسلم بتسعة وستين، وعاشت ثلاثاً وستين سنة وأشهراً، وتوفيت سنة 57هـ، ولا ذرية لها.


6- أم كلثوم بنت أبي بكر:

أمها حبيبة بنت خارجة. قال أبوبكر لأم المؤمنين عائشة حين حضرته الوفاة: إنما هما أخواك وأختاك فقالت: هذه أسماء قد عرفتها فمن الاخرى قال: ذو بطن بنت خارجة، قد ألقي في خلدي أنها جارية فكانت كما قال: وولدت بعد موته، تزوجها طلحة بن عبيدالله وقتل عنها يوم الجمل، وحجت بها عائشة في عدتها فأخرجتها الى مكة.

هذه هي أسرة الصديق المباركة التي أكرمها الله بالاسلام وقد اختص بهذا الفضل أبو بكر من بين الصحابة وقد قال العلماء: لايعرف أربعة متناسلون بعضهم من بعض صحبوا رسول الله e، إلا آل أبي بكر الصديق وهم: عبدالله بن الزبير، أمه أسماء بنت أبي بكر بن ابي قحافة، فهؤلاء الأربعة صحابة متناسلون، وأيضاً محمد بن عبدالرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة .

وليس من الصحابة من أسلم أبوه وأمه وأولاده، وأدركوا النبي وأدركه أيضاً بنو أولاده: إلا أبوبكر من جهة الرجال والنساء -وقد بينت ذلك- فكلهم آمنوا بالنبي وصحبوه، فهذا بيت الصديق، فأهله أهل إيمان، ليس فيهم منافق ولايعرف في الصحابة مثل هذا لغير بيت أبي بكر رضي الله عنهم.

وكان يقال: للإيمان بيوت وللنفاق بيوت؛ فبيت أبي بكر من بيوت الإيمان من المهاجرين، وبني النجار من بيوت الإيمان من الانصار.



رابعاً: الرصيد الخُلقي للصديق في المجتمع الجاهلي:



كان أبو بكر الصديق في الجاهلية من وجهاء قريش وأشرافهم وأحد رؤسائهم، وذلك أن الشرف في قريش قد انتهى قبل ظهور الاسلام الى عشرة رهط من عشرة أبطن، فالعباس ابن عبدالمطلب من بني هاشم، وكان يسقي الحجيج في الجاهلية، وبقي له ذلك في الاسلام وابو سفيان بن حرب من بني أمية، وكان عنده العقاب راية قريش، فإذا لم تجتمع قريش على واحد رأسوه هو وقدموه، والحارث بن عامر بن بني نوفل، وكانت إليه الرفادة، وهي ماتخرجه قريش من أموالها، وترفد به منقطع السبيل، وعثمان بن طلحة بن زمعة بن الاسود من بني أسد، وكانت إليه المشورة فلا يُجمع على أمر حتى يعرضوه عليه، فإن وافق ولاهم عليه، وإلا تخيّر وكانو له أعواناً، وأبو بكر الصديق من بني تيم وكانت إليه الأشناق وهي الديات والمغارم، فكان إذا حمل شيئاً فسأل فيه قريشاً صدقوه، وامضوا حمالة من نهض معه، وإن احتملها غيره خذلوه، وخالد بن الوليد من بني مخزوم، وكانت إليه القبة والأعنة، أما القبة فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها مايجهزون به الجيش، وأما الأعنة فإنه كان على خيل قريش في الحرب. وعمر بن الخطاب من بني عدي، وكانت إليه السفارة في الجاهلية، وصفوان بن أمية من بني جمح، وكانت إليه الأزلام. والحارث بن قيس من بني سهم، وكانت إليه الحكومة وأموال آلهتهم.

لقد كان الصديق في المجتمع الجاهلي شريفاً من أشراف قريش وكان من خيارهم، ويستعينون به فيما نابهم وكانت له بمكة ضيافات لايفعلها أحد.



وقد اشتهر بعدة أمور منها:



1- العلم بالأنساب:


فهو عالم من علماء الأنساب وأخبار العرب، وله في ذلك باع طويل جعله أستاذ الكثير من النسابين كعقيل بن أبي طالب وغيره، وكانت له مزية حببته إلى قلوب العرب وهي: أنه لم يكن يعيب الأنساب، ولايذكر المثالب بخلاف غيره، فقد كان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بها، وبما فيها من خير وشر، وفي هذا تروي عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله قال: أن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها.



2-تجارته:


كان في الجاهلية تاجراً، ودخل بُصرى من أرض الشام للتجارة وارتحل بين البلدان وكان رأس ماله اربعين ألف درهم وكان ينفق من ماله بسخاء وكرم عُرف به في الجاهلية.



3-موضع الألفة بين قومه وميل القلوب إليه:


فقد ذكر ابن اسحاق في السيرة أنهم كانوا يحبونه، ويألفونه، ويعترفون له بالفضل العظيم، والخلق الكريم، وكانوا يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، وقد قال له ابن الدغنه حين لقيه مهاجراً، إنك لتزين العشيرة، وتعين على النوائب، وتكسب المعدوم وتفعل المعروف، وقد علَّق ابن حجر على قول ابن الدغنه فقال: ومن أعظم مناقبه أن ابن الدغنه سيد القارة لما رد عليه جواره بمكة وصفه بنظير ماوصفت به خديجة النبي e لما بعث، فتواردا فيها نعت واحد من غير أن يتواطأ على ذلك، وهذه غاية في مدحه لأن صفات النبي منذ نشأ كانت أكمل الصفات.


4-لم يشرب الخمر في الجاهلية:


فقد كان أعف الناس في الجاهلية، حتى إنه حرّم على نفسه الخمر قبل الإسلام، فقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: حرم أبو بكر الخمر على نفسه، فلم يشربها في جاهلية ولا في إسلام، وذلك أنه مرّ برجل سكران يضع يده في العذرة، ويدنيها من فيه، فإذا وجد ريحها صرفها عنه. فقال أبو بكر: إن هذا لايدري ما يصنع، وهو يجد ريحها فحماها، وفي رواية لعائشة ... ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية.

وقد أجاب الصديق من سأله هل شربت الخمر في الجاهلية؟ بقوله: أعوذ بالله، فقيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي، وأحفظ مروءتي، فإن من شرب الخمر كان مضيّعاً لعرضه ومروءته.



5-ولم يسجد لصنم:


ولم يسجد الصديق رضي الله عنه لصنم قط، قال أبو بكر رضي الله عنه في مجمع من أصحاب رسول الله e، ما سجدت لصنم قط، وذلك أني لما ناهزت الحلم أخذني أبو قحافة بيدي فانطلق بي إلى مخدع فيه الأصنام، فقال لي: هذه آلهتك الشّمُ العوالي، وخلاني وذهب، فدنوت من الصنم وقلت: إني جائع فأطعمني فلم يُجبني فقلت: إني عار فأكسني، فلم يجبني، فألقيت عليه صخرة فخرَّ لوجهه() وهكذا حمله خلقه الحميد وعقله النير، وفطرته السليمة على الترفع عن كل شيء يخدش المروءة وينقص الكرامة من أفعال الجاهليين، وأخلاقهم التي تجانب الفطرة السليمة، وتتنافى مع العقل الراجح، والرجولة الصادقة، فلا عجب على من كانت هذه أخلاقه أن ينضم لموكب دعوة الحق ويحتل فيها الصدارة ويكون بعد إسلامه أفضل رجل بعد رسول الله فقد قال : خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا، وقد علق الأستاذ رفيق العظم عن حياة الصديق في الجاهلية فقال: اللهم إن امرأً نشأ بين الأوثان حيث لادين زاجر، ولاشرع للنفوس قائد، وهذا مكانه من الفضيلة، واستمساكه بعرى العفة والمروءة ... لجدير بأن يتلقى الإسلام بملء الفؤاد، ويكون أول مؤمن بهادي العباد، مبادر بإسلامه لإرغام أنوف أهل الكبر والعناد، ممهد سبيل الاهتداء بدين الله القويم، الذي يجتث أصول الرذائل من نفوس المهتدين بهديه، المستمسكين بمتين سببه.

لله در الصديق رضي الله عنه فقد كان يحمل رصيداً ضخماً من القيم الرفيعة، والأخلاق الحميدة والسجايا الكريمة في المجتمع القرشي قبل الإسلام وقد شهد له أهل مكة بتقدمه على غيره في عالم الأخلاق والقيم والمثل ولم يُعلمْ أحد من قريش عاب أبا بكر بعيب ولانقصه ولا استرذله كما كانوا يفعلون بضعفاء المؤمنين ولم يكن له عندهم عيب إلا الإيمان بالله ورسوله.






التوقيع :


شكرا ً دكتورة ميمة , تسلم يمينك

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]


تسلم يمين من سوت التوقيع



كن شامخاً في تواضعك ،،

ومتواضع في شموخك ،،

فتلك واحدة من صفات العظماء ..
  رد مع اقتباس
الـوسـام الافـتـراضـي 

المستوى: 34 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة: 1250 / 1250

النشاط: 552 / 859
الخـبـرة: 35%

قديم 12-13-2008, 07:55 PM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
Ray of Hope
Super Moderator
 
الصورة الرمزية Ray of Hope










Ray of Hope غير متواجد حالياً

اخر مواضيعي

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى Ray of Hope

افتراضي


اللقاء الثانى

وما زلنا مع سيرة أبو بكر الصّدّيق رَضيَ اللهُ عَنْهُ واليوم نتحدث عن :


إسلامه ودعوته وابتلاؤه وهجرته الأولى





أولاً: إسلامه:


كان إسلام أبي بكر رضي الله عنه وليد رحلة إيمانية طويلة في البحث عن الدين الحق الذي ينسجم مع الفطر السليمة ويلبي رغباتها، ويتفق مع العقول الراجحة، والبصائر النافذة، فقد كان بحكم عمله التجاري كثير الأسفار، قَطَعَ الفيافي، والصحاري، والمدن والقرى في الجزيرة العربية وتنقل من شمالها إلى جنوبها، وشرقها إلى غربها، واتصل اتصالاً وثيقاً، بأصحاب الديانات المختلفة وبخاصة النصرانية، وكان كثير الإنصات لكلمات النفر الذين حملوا راية التوحيد، راية البحث عن الدين القويم، فقد حدّث عن نفسه فقال: كنت جالساً بفناء الكعبة، وكان زيد بن عمرو بن نُفيْل قاعداً، فمرّ ابن أبي الصَّلْتِ، فقال: كيف أصبحت يا باغي الخير؟ قال: بخير، قال: وهل وجدت؟ قال: لا، فقال:

كل دين يوم القيامة إلا ما مضَى في الحنيفية بُور

أما إنّ هذا النبي الذي ينتظر منا أو منكم، قال: ولم أكن سمعت قبل ذلك بنبي يُنتظر ويُبعث، قال: فخرجت أريد ورقة بن نوفل -وكان كثير النظر إلى السماء، كثير همهمة الصّدر- فاستوقفته، ثم قصصت عليه الحديث، فقال: نعم يا ابن أخي، إنّا أهل الكتب والعلوم، ألا إن هذا النبي الذي يُنتظر من أوسط العرب نسباً -ولي علم بالنسب- وقومك أوسط العرب نسباً. قلت: ياعمّ ومايقول النبي؟ قال: يقول ماقيل له؟ إلا إنّه لايظلم، ولايُظلم ولا يُظالم، فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم آمنت به وصدّقته، وكان يسمع مايقوله أمية بن أبي الصلت:

في مثل قوله:

ألا نبي لنا منا فيخبرنا مابعد غايتنا من رأس مجرانا

إني أعوذ بمن حج الحجيج له والرافعون لدين الله أركانا

لقد عايش أبو بكر هذه الفترة، ببصيرة نافذة، وعقل نير، و فكر متألق، وذهن وقاد، وذكاء حاد، وتأمل رزين ملأ عليه أقطار نفسه، ولذلك حفظ الكثير من هذه الأشعار، ومن تلك الأخبار، فعندما سأل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه يوماً -وفيهم أبو بكر الصديق قائلاً: من منكم يحفظ كلام -قيس بن ساعدة- في سوق عكاظ؟ فسكت الصحابة، ونطق الصديق قائلاً: إني أحفظها يارسول الله، كنت حاضراً يومها في سوق عكاظ، ومن فوق جمله الأورق وقف قيس- يقول: أيها الناس: اسمعوا وَعُوا، وإذا وعيتم فانتفعوا إن من عاش مات ومن مات فات، وكل ماهو آتٍ، آت، إن في السماء لخبراً، وإنَّ في الأرض لعبراً، مهاد موضوع، وسقف مرفوع، ونجوم تمور، وبحار لن تغور، ليل داج، وسماء ذات أبراج!!

يُقسم قيس، إن لله ديناً هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه. مالي أرى الناس يذهبون، ولايرجعون، أرضوا بالمقام فأقاموا، أم تركوا فناموا ثم أنشد قائلاً:

في الذاهبين الأولين من القرون لنا بصــــائر

لمــــــا رأيت موارداً للموت ليس لهــا مصائر

ورأيت قومي نحوها يسعى الأكابر والأصاغر

أيقنت أني لامحالـــة حيث صــار القوم صائر

وبهذا الترتيب الممتاز، وبهذه الذاكرة الحديدية، وهي ذاكرة استوعبت هذه المعاني يقص الصديق ماقاله قس بن ساعدة على رسول الله وأصحابه.

وقد رأى رؤيا لما كان في الشام فقصّها على بحيرا الراهب، فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة، قال: من أيها؟ قال: من قريش، قال: فأي شيء أنت؟ قال: تاجر، قال: إن صدق الله رؤياك، فإنه يبعث بنبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته، فأسر ذلك أبو بكر في نفسه.

لقد كان إسلام الصديق بعد بحث وتنقيب وانتظار وقد ساعده على تلبية دعوة الإسلام معرفته العميقة وصلته القوية بالنبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية، فعندما نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم أخذ يدعو الأفراد إلى الله وقع أول اختياره على الصديق رضي الله عنه، فهو صاحبه الذي يعرفه قبل البعثة بدماثة خلقه، وكريم سجاياه، كما يعرف أبو بكر النبي بصدقه وأمانته، وأخلاقه التي تمنعه من الكذب على الناس فكيف يكذب على الله ؟

فعندما فاتحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة الله وقال له: .. إني رسول الله ونبيه، بعثني إلى الله وحده لاشريك له، ولاتعبد غيره، والموالاة على طاعته، فأسلم الصديق ولم يتلعثم وتقدم ولم يتأخر، وعاهد رسول الله على نصرته فقام بما تعهد ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه: إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت وقال أبو بكر صدق، وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟ مرتين.

وبذلك كان الصديق رضي الله عنه أول من أسلم من الرجال الأحرار، قال إبراهيم النخعي، وحسان بن ثابت وابن عباس وأسماء بنت أبي بكر: أول من أسلم أبو بكر. وقال يوسف بن يعقوب الماجشون: أدركت أبي ومشيختنا: محمد بن المنكدر، وربيعة بن عبدالرحمن، وصالح بن كيسان وسعد بن ابراهيم وعثمان بن محمد الأخنس وهم لايشكون أن أول القوم إسلاماً أبو بكر، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول من صلى أبو بكر ثم تمثل بأبيات حسان:

إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

خير البرية أتقاها وأعدلها إلا النبي وأوفاها بما حملا

الثاني التالي المحمود مشهده وأول الناس صدق الرسلا

وثاني أثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ صعد الجبلا

وعاش حميداً لأمر الله متبعاً بهدى صاحبه الماضي وما انتقلا

وكان حب رسول الله قد علموا من البرية لم يعدل به رجلا

هذا وقد ناقش العلماء قضية إسلام الصديق، وهل كان رضي الله عنه أول من أسلم، فمنهم من جزم بذلك، ومنهم من جزم بأن علياً أول من أسلم، ومنهم من جعل زيد بن حارثة أول من أسلم، وقد جمع الامام ابن كثير رحمه الله بين الأقوال جمعاً طيباً فقال: (والجمع بين الأقوال كلها : أن خديجة أول من أسلم من النساء -وقيل الرجال أيضاً- وأول من أسلم من الموالي زيد بن حارثة، وأول من أسلم من الغلمان علي بن أبي طالب -فإنه كان صغيراً دون البلوغ على المشهور- وهؤلاء كانوا آنذاك أهل بيته صلى الله عليه وسلم ، وأول من أسلم من الرجال الأحرار أبوبكر الصديق، وإسلامه كان أنفع من اسلام من تقدم ذكرهم إذ كان صدراً معظماً، ورئيساً في قريش مكرماً، وصاحب المال وداعية الى الاسلام وكان محبباً متآلفاً يبذل المال في طاعة الله ورسوله) ثم قال: (وقد أجاب أبو حنيفة بالجمع بين هذه الأقوال فإن أول من أسلم من الرجال الأحرار أبوبكر، ومن النساء خديجة ومن الموالي زيد بن حارثة ومن الغلمان علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين

وبإسلام أبي بكر عم السرور قلب النبي صلى الله عليه وسلم حيث تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: فلما فرغ من كلامه -أي النبي صلى الله عليه وسلم - أسلم أبوبكر فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، ومابين الأخشبين أحد أكثر سروراً منه بإسلام أبي بكر. لقد كان ابوبكر كنزاً من الكنوز ادخره الله تعالى لنبيه وكان من أحب قريش لقريش، فذلك الخلق السمح الذي وهبه الله تعالى إياه جعله من الموطئين أكنافاً، من الذين يألفون ويؤلفون، والخلق السمح وحده عنصر كافٍ لإلفة القوم وهو الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام: أرحم أمتي بأمتي ابوبكر، وعلم الأنساب عند العرب، وعلم التاريخ هما أهم العلوم عندهم، ولدى أبي بكر الصديق النصيب الأوفر منهما، وقريش تعترف للصديق بأنه أ علمها بأنسابها وأعلمها بتاريخها، ومافيه من خير وشر، فالطبقة المثقفة ترتاد مجلس أبي بكر لتنهل منه علماً لاتجده عند غيره غزارة ووفرة وسعة، ومن أجل هذا كان الشباب النابهون والفتيان الأذكياء يرتادون مجلسه دائماً، إنهم الصفوة الفكرية المثقفة التي تود أن تلقى عنده هذه العلوم، وهذا جانب آخر من جوانب عظمته، وطبقة رجال الأعمال، ورجال المال في مكة، هي كذلك من رواد مجلس الصديق، فهو إن لم يكن التاجر الأول في مكة، فهو من أشهر تجارها، فأرباب المصالح هم كذلك قصاده، ولطيبته وحسن خلقه تجد عوام الناس يرتادون بيته، فهو المضياف الدمث الخلق، الذي يفرح بضيوفه، ويأنس بهم، فكل طبقات المجتمع المكي تجد حظها عند الصديق رضوان الله عليه، كان رصيده الأدبي والعلمي والاجتماعي في المجتمع المكي عظيماً، ولذلك عندما تحرك في دعوته للاسلام استجاب له صفوة من خيرة الخلق.




ثانياً: دعوته:



أسلم الصديق وحمل الدعوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الاسلام دين العمل والدعوة والجهاد، وأن الايمان لايكمل حتى يهب المسلم نفسه ومايملك لله رب العالمين، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ`لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ`} (سورة الأنعام، الآيتان: 162،163) وقد كان الصديق كثير الحركة للدعوة الجديدة، وكثير البركة اينما تحرك أثر وحقق مكاسب عظيمة للاسلام، وقد كان نموذجاً حياً في تطبيقه لقول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (سورة النحل، الآية: 125).

كان تحرك الصديق في الدعوة الى الله يوضح صورة من صور الايمان بهذا الدين والاستجابة لله ورسوله صورة المؤمن الذي لايقر له قرار، ولا يهدأ له بال، حتى يحقق في دنيا الناس ماآمن به، دون أن تكون انطلاقته دفعة عاطفية مؤقتة سرعان ماتخمد وتذبل وتزول، وقد بقي نشاط أبي بكر وحماسه للاسلام الى أن توفاه الله عز وجل لم يفتر أو يضعف أويمّل أو يعجز.

كانت أول ثمار الصديق الدعوية دخول صفوة من خيرة الخلق في الاسلام وهم: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن أبي وقاص، وعثمان بن مضعون، وأبو عبيدة بن الجراح، وعبدالرحمن بن عوف، وأبوسلمة بن عبدالأسد، والأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنهم، وجاء بهؤلاء الصحابة الكرام فرادى فأسلموا بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانوا الدعامات الاولى التي قام عليها صرح الدعوة، وكانوا العدة الأولى في تقوية جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهم أعزه الله و أيده وتتابع الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، رجالاً ونساءً، وكان كل من هؤلاء الطلائع داعية الى الاسلام، وأقبل معهم رعيل السابقين، الواحد والإثنان، والجماعة القليلة، فكانوا على قلة عددهم كتيبة الدعوة، وحصن الرسالة لم يسبقهم سابق ولا يلحق بهم لاحق في تاريخ الاسلام.

وإهتم الصديق بأسرته فأسلمت أسماء وعائشة وعبدالله وزوجته أم رومان وخادمه عامر بن فهيرة، لقد كانت الصفات الحميدة والخلال العظيمة والأخلاق الكريمة التي تجسدت في شخصية الصديق عاملاً مؤثراً في الناس عند دعوتهم للاسلام، فقد كان رصيده الخلقي ضخماً في قومه وكبيراً في عشيرته، فقد كان رجلاً، مؤلفاً لقومه، محبباً لهم، سهلاً، أنسب قريش لقريش بل كان فرد زمانه في هذا الفن، وكان رئيساً مكرماً سخياً يبذل المال، وكانت له بمكة ضيافات لايفعلها أحد، وكان رجلاً بليغاً.

إن هذه الأخلاق والصفات الحميدة لابد منها للدعاة إلى الله وإلا أصبحت دعوتهم للناس صيحة في واد، ونفخة في رماد، وسيرة الصديق وهي تفسر لنا فهمه للإسلام وكيف عاش به في حياته حريٌّ بالدعاة أن يتأسوا بها في دعوة الأفراد إلى الله تعالى.




ثالثاً: ابتلاؤه:



إن سنة الابتلاء ماضية في الأفراد والجماعات والشعوب والأمم والدول، وقد مضت هذه السنة في الصحابة الكرام وتحملوا رضوان الله عليهم من البلاء ماتنوء به الرواسي الشامخات وبذلوا أموالهم ودماءهم في سبيل الله، وبلغ بهم الجهد ماشاء الله أن يبلغ، ولم يسلم أشراف المسلمين من هذا الابتلاء، فلقد أوذي أبو بكر وحُثي على رأسه التراب، وضرب في المسجد الحرام بالنعال، حتى مايعرف وجهه من أنفه، وحمل الى بيته في ثوبه وهو مابين الحياة والموت، فقد روت عائشة رضي الله تعالى عنها أنه لمّا اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً الحّ أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور، فقال: يا أبا بكر إنَّا قليل. فلم يزل أبو بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرق المسلمين في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فكان أوّل خطيب دعا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين، فضربوه في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووطئ أبو بكر وضرب ضرباً شديداً، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين ويُحرِّفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر ، حتى مايعرف وجهه من أنفه، وجاءت بنو تميم يتعادون فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحَمَلت بنو تميم أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه منزله، ولايشكون في موته، ثم رجعت بنو تميم فدخلوا المسجد وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة (والده) وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، فتكلم آخر النهار فقال: مافعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فمسّوا منه بألسنتهم وعذلوه، وقالوا لأمه أم الخير: انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه. فلما خلت به ألحت عليه، وجعل يقول: مافعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت: والله مالي علم بصاحبك. فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر سألك عن محمد بن عبدالله. فقالت: ما أعرف أبا بكر ولامحمد بن عبدالله، وإن كنت تحبين أن أذهب معك إلى ابنك. قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دَنِفاً، فدنت أم جميل، وأعلنت بالصياح، وقالت: والله إن قوماً نالوا منك لأهل فسق وكفر إنني لأرجوا أن ينتقم الله لك منهم، قال: فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: فلاشيء عليك منها، قالت: سالم صالح، قال: أين هو؟ قالت: في دار الأرقم. قال: فإن لله علي أن لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس، خرجتا به يتكئ عليهما، حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: فأكب عليه رسول الله فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورقّ له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة فقال أبو بكر : بأبي وأمي يارسول الله، ليس بي بأس إلا ما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله، وأدع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار. قال: فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاها إلى الله فأسلمت.


إن هذا الحدث العظيم في طياته دروس وعبر لكل مسلم حريص على الاقتداء بهؤلاء الصحب الكرام ونحاول أن نستخرج بعض هذه الدروس التي منها:


1-حرص الصديق على إعلان الإسلام واظهاره أمام الكفار وهذا يدل على قوة إيمانه وشجاعته وقد تحمل الأذى العظيم حتى أن قومه كانوا لايشكون في موته، لقد أشرب قلبه حب الله ورسوله أكثر من نفسه، ولم يعد يهمه -بعد إسلامه- إلا أن تعلوا راية التوحيد، ويرتفع النداء لا إله إلا الله محمد رسول الله في أرجاء مكة حتى لو كان الثمن حياته، وكاد أبو بكر فعلاً أن يدفع حياته ثمناً لعقيدته وإسلامه.

2-إصرار أبي بكر على الظهور بدعوة الإسلام وسط الطغيان الجاهلي، رغبة في إعلام الناس بذلك الدين الذي خالطت بشاشته القلوب، رغم علمه بالأذى الذي قد يتعرض له وصحبه وماكان ذلك إلا لأنه قد خرج من حظ نفسه.

3-حب الله ورسوله تغلغل في قلب أبي بكر على حبه لنفسه، بدليل أنه رغم ما ألم به، كان أول ما سأل عنه: مافعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل أن يطعم أو يشرب، وأقسم أنه لن يفعل حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهكذا يجب أن يكون حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عند كل مسلم أحب إليه مما سواهما حتى لو كلفه ذلك نفسه وماله.

4-إن العصبية القبلية كان لها في ذلك الحين دور في توجيه الأحداث والتعامل مع الأفراد حتى مع اختلاف العقيدة، فهذه قبيلة أبي بكر تهدد بقتل عتبة إن مات أبو بكر.

5-تظهر مواقف رائعة لأم جميل بنت الخطاب، توضح لنا كيف تربت على حُبَّ الدعوة والحرص عليها، وعلى الحركة لهذا الدين، فحينما سألتها أم أبي بكر عن رسول الله قالت: ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبدالله، فهذا تصرف حذر سليم، لأن أم الخير لم تكن ساعتئذ مسلمة وأم جميل كانت تخفي إسلامها، ولاتود أن تعلم به أم الخير، وفي ذات الوقت أخفت عنها مكان الرسول صلى الله عليه وسلم مخافة أن تكون عيناً لقريش، وفي نفس الوقت حرصت أم جميل أن تطمئن على سلامة الصديق ولذلك عرضت على أم الخير أن تصحبها إلى ابنها وعندما وصلت للصديق كانت أم جميل في غاية الحيطة والحذر من أن تتسرب منها أي معلومة عن مكان رسول الله وأبلغت الصديق بأن رسول الله سالم صالح، ويتجلى الموقف الحذر من الجاهلية التي تفتن الناس عن دينهم في خروج الثلاثة عندما: هدأت الرجل وسكت الناس.

6-يظهر بر الصديق بأمه وحرصه على هدايتها في قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هذه أمي برة بولدها وأنت مبارك فادعها إلى الله وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار. إنه الخوف من عذاب الله والرغبة في رضاه وجنته، ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم أبي بكر بالهداية فاستجاب الله له، وأسلمت أم أبي بكر وأصبحت من ضمن الجماعة المؤمنة المباركة التي تسعى لنشر دين الله تعالى، ونلمس رحمة الله بعباده ونلحظ من خلال الحدث قانون المنحة بعد المحنة.

7-إن من أكثر الصحابة الذين تعرضوا لمحنة الأذى والفتنة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق نظراً لصحبته الخاصة له، والتصاقه به في المواطن التي كان يتعرض فيها للأذى من قومه فينبري الصديق مدافعاً عنه وفادياً إياه بنفسه، فيصيبه من أذى القوم وسفههم، هذا مع أن الصديق يعتبر من كبار رجال قريش المعروفين بالعقل والإحسان.




رابعاً: دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم :


من صفات الصديق التي تميز بها: الجرأة والشجاعة، فقد كان لايهاب أحداً في الحق، ولاتأخذه لومة لائم في نصرة دين الله والعمل له والدفاع عن رسوله فعن عروة بن الزبير قال سألت ابن عمرو بن العاص بأن يخبرني بأشد شئ صنعه المشركون بالنبي فقال: بينما النبي يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي وقال: (أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله) (غافر، آية:28). وفي رواية أنس رضي الله عنه أنه قال: لقد ضربوا رسول الله مرة حتى غشي عليه فقام أبو بكر فجعل ينادي ويلكم ( أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله). وفي حديث أسماء: فأتى الصريخ إلى أبي بكر، فقال: أدرك صاحبك. قالت فخرج من عندنا وله غدائر أربع وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. فلهوا عنه وأقبلوا على أبي بكر، فرجع إلينا أبو بكر فجعل لايمس شيئاً من غدائره إلا رجع معه، وأما في حديث علي بن أبي طالب فقد قام خطيباً وقال: يا أيها الناس من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين فقال: أما إني مابارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر، إنا جعلنا لرسول الله عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله لئلا يهوي عليه أحد من المشركين، فوالله مادنا منه أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله لايهوي إليه أحد إلاّ أهوى إليه فهذا أشجع الناس. قال ولقد رأيت رسول الله وأخذته قريش فهذا يُحادُه، وهذا يتلتله ويقولون أنت جعلت الآلهة إلهاً واحداً فوالله مادنا منه أحد إلا أبو بكر يضرب ويجاهد هذا ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ثم رفع على بردة كانت عليه فبكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم هو؟ فبكت القوم، فقال عليّ: فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.

هذه صورة مشرقة تبين طبيعة الصراع بين الحق والباطل والهدى والضلال، والإيمان والكفر، وتوضح ماتحمله الصديق من الألم والعذاب في سبيل الله تعالى كما تعطي ملامح واضحة عن شخصيته الفذة، وشجاعته النادرة التي شهد له بها الإمام علي في خلافته أي بعد عقود من الزمن، وقد تأثر علي حتى بكى وأبكى.

إن الصديق أول من أوذي في سبيل الله بعد رسول الله، وأول من دافع عن رسول الله، وأول من دعا الى الله، وكانت الذراع اليمنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرغ للدعوة وملازمة رسول الله وإعانته على من يدخلون الدعوة في تربيتهم وتعليمهم وإكرامهم، فهذا ابوذر يقص لنا حديثه عن إسلامه ففيه: (...فقال أبوبكر: ائذن لي يارسول الله في طعامه الليلة - وأنه أطعمه من زبيب الطائف، وهكذا كان الصديق في وقوفه مع رسول الله يستهين بالخطر على نفسه، ولا يستهين بخطر يصيب النبي قل أو كثر حيثما رآه واستطاع أن يذود عنه العادين عليه، وانه ليراهم آخذين بتلابيبه فيدخل بينهم وبينه وهو يصيح بهم: (ويلكم أتقتلون رجلاً ان يقول ربي الله؟) فينصرفون عن النبي وينحون عليه يضربونه، ويجذبونه من شعره فلا يدعونه إلا وهو صديع).




خامساً: انفاقه الأموال لتحرير المعذبين في الله:


تضاعف اذى المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه مع انتشار الدعوة في المجتمع المكي الجاهلي حتى وصل الى ذروة العنف وخاصة في معاملة المستضعفين من المسلمين، فنكلت بهم لتفتنهم عن عقيدتهم وإسلامهم، ولتجعلهم عبرة لغيرهم، ولتنفس عن حقدها وغضبها بما تصبه عليهم من العذاب وقد تعرض بلال لعذاب عظيم ولم يكن لبلال ظهر يسنده، ولا عشيرة تحميه، ولا سيوف تذود عنه، ومثل هذا الانسان في المجتمع الجاهلي المكي يعادل رقماً من الأرقام، فليس له دور في الحياة إلا أن يخدم ويطيع ويباع ويشترى كالسائمة، أما أن يكون له رأي أو يكون صاحب فكر، أو صاحب دعوة أو صاحب قضية، فهذه جريمة شنعاء في المجتمع الجاهلي المكي تهز أركانه، وتزلزل أقدامه، ولكن الدعوة الجديدة التي سارع لها الفتيان وهم يتحدون تقاليد وأعراف آبائهم الكبار لامست قلب هذا العبد المرمي المنسي، فأخرجته إنساناً جديد في الحياة، قد تفجرت معاني الايمان في إعماقه بعد أن آمن بهذا الدين وانضم الى محمد وإخوانه في موكب الايمان العظيم وعندما علم سيده أميةبن خلف، راح يهدده تارة ويغريه اطوراً فما وجد عند بلال غير العزيمة وعدم الاستعداد للعودة الى الوراء الى الكفر والجاهلية والضلال، وفحنق عليه أمية وقرر أن يعذبه عذاباً شديداً، فأخرجه الى شمس الظهيرة في الصحراء بعد أن منع عنه الطعام والشراب يوماً وليلة، ثم ألقاه على ظهره فوق الرمال المحرقة الملتهبة ثم أمر غلمانه فحملوا صخرة عظيمة وضعوها فوق صدر بلال وهو مقيد اليدين، ثم قال له: لاتزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى) وأجاب بلال بكل صبر وثبات: أحد أحد. وبقي أمية بن خلف مدة وهو يعذب بلالاً بتلك الطريقة البشعة، فقصد وزير رسول الله صلى الله عليه وسلم الصديق موقع التعذيب وفاوض أمية بن خلف وقال له: (ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ حتى متى! قال: أنت أفسدته فأنقذه مما ترى، فقال أبوبكر: أفعل، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به، قال: قد قبلت؛ فقال: هو لك فأعطاه أبوبكر الصديق غلامه ذلك وأخذه فأعتقه)، وفي رواية اشتراه بسبع أواق أو بأربعين أوقية ذهباً، ماأصبر بلال وماأصلبه ! فقد كان صادق الاسلام، طاهر القلب، ولذلك صَلُب ولم تلين قناته أمام التحديات وأمام صنوف العذاب، وكان صبره، وثباته مما يغيظهم ويزيد حنقهم، خاصة أن كان الرجل الوحيد من ضعفاء المسلمين الذي ثبت على الاسلام فلم يوات الكفار فيما يريدون مردداً كلمة التوحيد بتحد صارخ، وهانت عليه نفسه في الله وهان على قومه.

وبعد كل محنة منحة فقد تخلص بلال من العذاب والنكال، وتخلص من أسر العبودية، وعاش مع رسول الله بقية حياته ملازماً له، ومات راضياً عنه.

واستمر الصديق في سياسة فك رقاب المسلمين المعذبين واصبح هذا المنهج من ضمن الخطة التي تبنتها القيادة الاسلامية لمقاومة التعذيب الذي نزل بالمستضعفين فدّعم الدعوة بالمال والرجال والأفراد فراح يشتري العبيد والإماء المملوكين من المؤمنين والمؤمنات منهم عامر بن فهيرة شهد بدراً وأحداً، وقتل يوم بئر معونة شهيداً، وأم عبيس، و زنِّيرة وأصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش: ماأذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كذبوا وبيت الله ماتضر اللات والعزى وماتنفعان، فرد الله بصرها، وأعتق النهدية وبنتها وكانتا لامرأة من بني عبدالدار مرّ بهما وقد بعثتهما سيدتهما بطحين لها وهي تقول: والله لا أعتقكما أبداً: فقال ابو بكر حِلُّ يأم فلان فقالت: حل أنت، أفسدتهما فأعتقهما؛ قال: فبكم هما؟ قالت: بكذا وكذا. وقال: قد أخذتهما وهما حرتان ألينها طحينها. قالتا: أو نفرغ منه ياأبابكر ثم نرده إليها؟ قال: وذلك إن شئتما

وهنا وقفة تأمل ترينا كيف سوى الاسلام بين الصديق والجاريتين حتى خطابتاه خطاب الند للند، لاخطاب المسود للسيد، وتقبل الصديق على شرفه وجلالته في الجاهلية والاسلام - منهما ذلك، مع أنه له يداً عليهما بالتعق، وكيف صقل الاسلام الجاريتين حتى تخلقتا بهذا الخلق الكريم، وكان يمكنهما وقد أعتقتا وتحررتا من الظلم أن تدعا لهما طحينها يذهب أدراج الرياح، أو يأكله الحيوان والطير، ولكنهما ابتا - تفضلاً، إلا أن تفرغا منه، وترداه إليها.

ومر الصديق بجارية بني مؤمل حي من بني عدي بن كعب وكانت مسلمة، وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الاسلام، وهو يومئذ مشركاً يضربها، حتى إذا ملَّ قال: إني أعتذر إليك إني لم أتركك إلا عن ملالة فتقول: كذلك فعل الله بك فابتاعها أبوبكر فأعتقها.

هكذا كان واهب الحريات، ومحرر العبيد، شيخ الاسلام الوقور، الذي عرف بين قومه، بأنه يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق، ولم ينغمس في إثم في جاهليته، أليف مألوف يسيل قلبه رقة ورحمة على الضعفاء والأرقاء، أنفق جزءً كبيراً من ماله في شراء العبيد، وعتقهم لله، وفي الله، قبل أن تنزل التشريعات الاسلامية المحببة في العتق، والواعدة عليه أجزل الثواب.

كان المجتمع المكي يتندر بأبي بكر الذي يبذل هذا المال كله لهؤلاء المستضعفين، أما في نظر الصديق، فهؤلاء إخوانه في الدين الجديد فكل واحد من هؤلاء لايساوي عنده مشركي الأرض وطغاتها، وبهذه العناصر وغيرها تبنى دولة التوحيد، وتصنع حضارة الاسلام الرائعة ولم يكن الصديق يقصد بعمله هذا محمدة، ولا جاهاً، ولا ديناً، وإنما كان يريد وجه الله ذا الجلال والإكرام لقد قال له أبوه ذات يوم: يابني إني أراك تعتق رقاباً ضعافاً، فلو أنك إذ فعلت أعتقت رجالاً جلد يمنعوك، ويقومون دونك؟ فقال أبوبكر : ياأبت إني إنما أريد ماأريد لله عز وجل، فلا عجب إذا كان الله سبحانه أنزل في شأن الصديق قرآناً يتلى الى يوم القيامة قال تعالى:

{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى`وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى`فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى`وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى`وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى`فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى`وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى`وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى `فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى`لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى`الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى`وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى`الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى`وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى`إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى`وَلَسَوْفَ يَرْضَى`} (سورة الليل، الآيات: 5-21).

لقد كان الصديق من أعظم الناس إنفاقاً لماله فيما يرضي الله ورسوله.

كان هذا التكافل بين أفراد الجماعة الاسلامية الأولى قمة من قمم الخير والعطاء، وأصبح هؤلاء العبيد بالاسلام، أصحاب عقيدة وفكرة يناقشون بها وينافحون عنها، ويجاهدون في سبيلها، وكان إقدام إبي بكر على شرائهم ثم عتقهم دليلاً على عظمة هذا الدين ومدى تغلغله في نفسية الصديق وما أحوج المسلمين اليوم أن يحيوا هذا المثل الرفيع، والمشاعر السامية ليتم التلاحم والتعايش، والتعاضد بين أبناء الأمة التي يتعرض ابناءها للابادة الشاملة من قبل أعداء العقيدة والدين.




سادساً: هجرته الاولى وموقف ابن الدغنة منها:



قالت عائشة رضي الله عنها: قالت: لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار: بكرة وعشية فلما ابتلى المسلمون، خرج أبوبكر مهاجراً نحو أرض الحبشة حتى برك الغماد لقيه ابن الدغنة -وهو سيد فقال: أين تريد ياأبابكر؟ فقال ابوبكر: أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي، قال ابن الدغنة: فإن مثلك ياأبابكر لا يخرج ولا يخرج إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق. فأنا لك جار. ارجع وأعبد ربك ببلدك. فرجع، وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف ابن الدغنة عشية في أشراف قريش فقال لهم: إن أبابكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة، وقالوا لابن الدغنة: مر أبابكر فليعبد ربه في داره، فليصل فيها وليقرأ ماشاء ولا يؤذينا بذلك ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا. فقال ذلك ابن الدغنة لابي بكر، فلبث أبوبكر بذلك يعبد ربه في داره، ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره. ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقذف عليه نساء المشركين، وأبناؤهم، وهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبوبكر رجلاً بكاءً لايملك عينه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا الى ابن الدغنة، فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبابكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمته، فإنا قد كرهنا أن نغفرك ولسنا بمقرين لأبي بكر الاستعلان. قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة الى أبي بكر فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك وإما أن ترجع اليّ ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أنى أخفرت في رجل عقدت له. فقال أبوبكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل، وحين خرج من جوار ابن الدغنة، يعني ابوبكر، لقيه سفيه من سفهاء قريش وهو عامد الى الكعبة فحثا على رأسه تراباً، فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة، أو العاص بن وائل - فقال له أبوبكر : ألا تر مايصنع هذا السفيه، فقال: أنت فعلت ذلك بنفسك، وهو يقول: ربي ماأحلمك، أي ربي ماأحلمك، أي ربي ماأحلمك. وفي هذه القصة دروس وعبر كثيرة منها:



1- كان ابوبكر في عز من قومه قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فهاهو ابن الدغنة يقول له: مثلك ياأبابكر لايخرج ولا يخرج مثله، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأبوبكر لم يدخل في دين الله طلباً لجاه أو سلطان، ومادفعه الى ذلك إلا حب الله ورسوله مما يترتب على ذلك من ابتلاءات، أي أنه لم يكن له تطلعات سوى مرضات الله تعالى، إنه يريد أن يفارق الأهل والوطن والعشيرة ليعبد ربه لأنه حيل بينه وبين ذلك في وطنه.

2- إن زاد الصديق في دعوته القرآن الكريم ولذلك اهتم بحفظه وفهمه وفقهه والعمل به، وأكسبه الاهتمام بالقرآن الكريم براعة في تبليغ الدعوة، وروعة في الاسلوب، وعمقاً في الأفكار، وتسلسلاً عقلياً في عرض الموضوع الذي يدعو إليه، ومراعاة لأحوال السامعين وقوة في البرهان والدليل.

وكان الصديق يتأثر بالقرآن الكريم ويبكي عند تلاوته وهذا يدل على رسوخ يقينه وقوة حضور قلبه مع الله عز وجل ومع معاني الآيات التي يتلوها، والبكاء مبعثه قوة التأثير إما بحزن شديد أو فرح غامر، والمؤمن الحق يظل بين الفرح بهداية الله تعالى الى الصراط المستقيم، والإشفاق من الانحراف قليلاً عن هذا الصراط، وإذا كان صاحب إحساس حيَّ وفكر يقظ كأبي بكر فإن هذا القرآن يذكِّره بالحياة الآخرة ومافيها من حساب وعقاب أو ثواب، فيظهر أثر ذلك في خشوع الجسم وانسكاب العبرات، وهذا المظهر يؤثر كثيراً على من شاهده، ولذلك فزع المشركون من مظهر أبي بكر المؤثر وخَشُوا على نسائهم وأبنائهم أن يتأثروا به فيدخلوا في الإسلام

لقد تربى الصديق على يدي رسول الله وحفظ كتاب الله تعالى وعمل به في حياته وتأمل فيه كثيراً وكان لا يتحدث بغير علم، فعندما سئل عن آية لايعرفها أجاب بقوله: أي أرض تسعني أو أي سماء تُظِلنُّي إذا قلت في كتاب الله مالم يُرد الله ومن أقواله التي تدل على تدبره وتفكره في القرآن الكريم قوله: (إن الله ذكر أهل الجنة، فذكرهم بأحسن أعمالهم وغفر لهم سيئها، فيقول الرجل: أين أنا من هؤلاء؟! يعني: حسنها، فيقول قائل: لست من هؤلاء، يعني: وهو منهم، وكان يسأل رسول الله فيما استشكل عليه بأدب وتقدير واحترام، فلما نزل قوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} (سورة النساء، الاية:123) قال ابوبكر يارسول الله، قد جاءت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءاً؟ فقال: ياأبابكر، ألست تنصب؟ الست تحزن؟ ألست تصيبك اللأوى؟ فذلك مما تجزون به.

وقد فسر الصديق بعض الآيات مثل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (سورة فصلت، الآية: 30) قال فيها: فلم يلتفتوا عنه يمنة ولا يسرة، فلم يلتفتوا بقلوبهم الى ماسواه لا بالحب ولا بالخوف، ولا بالرجاء ولا بالسؤال ولا بالتوكل عليه، بل لا يحبون إلا الله ولا يحبون معه أنداداً، ولايحبون إلا إياه، لا لطلب منفعة، ولا لدفع مضرة، ولا يخافون غيره كائناً من كان، ولا يسألون غيره ولا يتشرفون بقلوبهم الى غيره، وغير ذلك من الآيات.

إن الدعاة الى الله عليهم أن يكونوا في صحبة مستمرة للقرآن الكريم، يقرؤه ويتدبروه ويستخرجوا كنوزه ومعارفه للناس، وأن يظهروا للناس مافي القرآن من إعجاز بياني وعلمي وتشريعي ومافيه من سبل إنقاذ الانسانية المعذبة من مأسيها وحروبها، بأسلوب يناسب العصر، ويكافئ ماوصل إليه الناس من تقدم في وسائل الدعوة والدعاية، ولقد أدرك أبوبكر كيف تكون قراءة القرآن الكريم في المسجد على ملأ من قريش وسيلة مؤثرة من وسائل الدعوة الى الله.




سابعاً: بين القبائل العرب في الأسواق:



قد علمنا أن الصديق كان عالماً بالأنساب وله فيها الباع الطويل: قال السيوطي رحمه الله تعالى: رأيت بخط الحافظ الذهبي رحمه الله من كان فرد زمانه في فنه... أبوبكر في النسب، ولذلك استخدم الصديق هذا العلم الفياض وسيلة من وسائل الدعوة ليعلم كل ذي خبرة كيف يستطيع أن يسخرذلك في سبيل الله، على اختلاف التخصصات، وألوان المعرفة، سواء كان علمه نظرياً أو تجريبياً، أو كان ذا مهنة مهمة في حياة الناس، وسوف نرى الصديق يصحبه رسول الله عندما عرض نفسه على قبائل العرب ودعاهم الى الله كيف وظف هذا العلم لدعوة الله فقد كان الصديق خطيباً مفوهاً له القدرة على توصيل المعاني بأحسن الألفاظ، وكان رضي الله عنه يخطب عن النبي في حضوره وغيبته، فكان النبي إذا خرج في الموسم -يدعو الناس الى متابعة كلامه تمهيداً وتوطئة لما يبلغ الرسول، معونة له، لا تقدماً بين يدي الله ورسوله، وكان علمه في النسب ومعرفة أصول القبائل مساعداً له على التعامل معها، فعن علي بن أبي طالب قال: لما أمر الله عز وجل نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه.... الى أن قال ثم دفعنا الى مجلس آخر عليه السكينة والوقار فتقدم أبوبكر فسلم فقال من القوم؟ قالوا: شيبان ابن ثعلبة فالتفت ابوبكر الى رسول الله وقال بأبي وأمي هؤلاء غرر الناس وفيهم مفروق قد غلبهم لساناً وجمالاً وكانت له غديرتان تسقطان على تريبته وكان أدنى القوم مجلساً من أبي بكر فقال: أبوبكر كيف العدد فيكم فقال مفروق: إنا لانزيد على الألف ولن تغلب الألف من قلة فقال أبوبكر: وكيف المنعة فيكم فقال مفروق: إنا لأشد مانكون غضباً حين نلقى وأشد مانكون لقاء حين نغضب وإنا لنؤثر الجياد على الأولاد والسلاح على اللقاح والنصر من عند الله يديلنا مرة ويديل علينا أخرى لعلك أخا قريش؛ فقال أبوبكر: إن كان بلغكم أنه رسول الله فها هوذا. فقال: مفروق إلام تدعونا ياأخا قريش؟ فقال رسول الله : (أدعوكم الى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأني عبدالله ورسوله والى أن تؤووني وتنصروني فإن قريشاً قد تظاهرت على الله وكذّبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق والله هو الغني الحميد) فقال مفروق: وإلام تدعو أيضاً ياأخا قريش فوالله ماسمعت كلاماً أحسن من هذا فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (سورة الانعام، الآية: 151) فقال مفروق: دعوت والله الى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ولقد أفك قوم كذبوك وظاهروا عليك ثم رد الأمر الى هانئ بن قبيصة فقال: وهذا هانئ شيخنا وصاحب ديننا فقال هانئ: قد سمعت مقالتك ياأخا قريش وإني أرى تركنا ديننا واتباعنا دينك لمجلس جلست إلينا لا أول ولا آخر لذل في الرأي وقلة نظر في العاقبة أن الزلة مع العجلة وأنا نكره أن نعقد على من وراءنا عقداً ولكن نرجع وترجع وننظر ثم كأنه أحب أن يشركه المثنى بن حارثة فقال: وهذا المثنى شيخنا وصاحب حربنا فقال المثنى -وأسلم بعد ذلك- قد سمعت مقالتك ياأخا قريش والجواب فيه جواب هانئ بن قبيصة في تركنا ديننا ومتابعتنا دينك وإنا إنما نزلنا بين صيرين أحدهما اليمامة والاخرى السمامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وماهذان الصيران؟ فقال له أما أحدهما فطوق التزيد أي ماأشرف من الأرض -وأرض العرب، وأما الآخر فأرض فارس وأنهار كسرى وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى أن لانحدث حدثاً، ولا نؤي محدثاً ولعل هذا الأمر الذي تدعو إليه تكرهه الملوك، فأما ماكان مما يلي على بلاد العرب فذنب صاحبه مغفور، وعذره غير مقبول، فإن أردت أن ننصرك مما يلي العرب فعلينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماأسأتم في الرد إذ أفصحتم بالصدق وإن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه أريتم إن لم تلبثوا إلا قليلاً حى يورثكم الله تعالى أرضهم وديارهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه فقال النعمان: اللهم فلك ذاك.



وفي هذا الخبر دروس وعبر وفوائد كثيرة منها:



1- ملازمة الصديق لرسول الله وهذا جعله يفهم الاسلام بشموله وهيأه الله تعالى بأن يصبح أعلم الصحابة بدين الله، فقد تعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم حقيقة الاسلام وتربى على يديه في معرفة معانيه، فاستوعب طبيعة الدعوة ومر بمراحلها المتعددة واستفاد من صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتشرب المنهج الرباني، فعرف المولى عز وجل من خلاله، وطبيعة الحياة، وحقيقة الكون، وسر الوجود، وماذا بعد الموت ومفهوم القضاء والقدر، وقصة الشيطان مع آدم عليه السلام وحقيقة الصراع بن الحق والباطل، والهدى والظلال، والايمان والكفر، وحببت إليه العبادات كقيام الليل، وذكر الله وتلاوة القرآن فسمت أخلاقه، وتطهرت نفسه وزكت روحه.

2- وفي رفقته لرسول الله عندما كان يدعو القبائل للاسلام استفاد الكثير، فقد عرف أن النصرة التي كان يطلبها رسول الله لدعوته من زعماء القبائل أن يكون أهل النصرة غير مرتبطين بمعاهدات دولية تتناقض مع الدعوة ولا يستطيعون التحرر منها، وذلك لأن احتضانهم للدعوة والحالة هذه يُعرضها لخطر القضاء عليها من قبل الدول التي بينهم وبينها تلك المعاهدات، والتي تجد في الدعوة الاسلامية خطراً عليها وتهديداً لمصالحها.

ان الحماية المشروطة أو الجزئية لاتحقق الهدف المقصود فلن يخوض بنو شيبان حرباً ضد كسرى لو أراد القبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليمه، ولن يخوضوا حرباً ضد كسرى لو أراد مهاجمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتباعه، وبذلك فشلت المباحثات.

3- (إن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه) كان هذا الرد من النبي صلى الله عليه وسلم على المثنى بن حارثة حيث عرض على النبي حمايته على مياه العرب دون مياه الفرس، فمن يسبر أغوار السياسة البعيدة يرى بعد النظر الاسلامي النبوي الذي لايسامى.

4- كان موقف بني شيبان يتسم بالاريحية والخلق والرجولة وينم عن تعظيم هذا النبي، وعن وضوح في العرض، وتحديد مدى قدرة الحماية التي يملكونها وقد بينوا أن أمر الدعوة مما تكرهه الملوك، وقدّر الله لشيبان بعد عشر سنوات أو تزيد أن تحمل هي ابتداءً عبء مواجهة الملوك، بعد أن أشرق قلبها بنور الاسلام، وكان المثنى بن حارثة الشيباني صاحب حربهم وبطلهم المغوار الذي كان من ضمن قادة الفتوح في خلافة الصديق فكان وقومه من أجرأ المسلمين بعد إسلامهم على قتال الفرس، بينما كانوا في جاهليتهم يرهبون الفرس ولا يفكرون في قتالهم، بل إنهم ردوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بعد قناعتهم بها لاحتمال أن تلجئهم الى قتال الفرس، الأمر الذي لم يكونوا يفكرون به أبداً، وبهذا نعلم عظمة هذا الدين الذي رفع الله به المسلمين في الدنيا حيث جعلهم سادة الأرض مع ماينتظرون في أخراهم من النعيم الدائم في جنات النعيم.






التوقيع :


شكرا ً دكتورة ميمة , تسلم يمينك

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]


تسلم يمين من سوت التوقيع



كن شامخاً في تواضعك ،،

ومتواضع في شموخك ،،

فتلك واحدة من صفات العظماء ..
  رد مع اقتباس
الـوسـام الافـتـراضـي 

المستوى: 34 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة: 1250 / 1250

النشاط: 552 / 859
الخـبـرة: 35%

قديم 12-13-2008, 07:56 PM   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
Ray of Hope
Super Moderator
 
الصورة الرمزية Ray of Hope










Ray of Hope غير متواجد حالياً

اخر مواضيعي

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى Ray of Hope

افتراضي


هجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الى المدينة


اشتدت قريش في أذى المسلمين، والنيل منهم فمنهم من هاجر الى الحبشة مرة أو مرتين فراراً بدينه...ثم كانت الهجرة الى المدينة ومن المعلوم أن أبا بكر استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة فقال له: (لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً) فكان أبوبكر يطمع أن يكون في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم وهذه السيدة عائشة رضي الله عنها تحدثنا عن هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيها حيث قالت: (كان لايخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة، وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة، في ساعة كان لايأتي فيها قالت: فلما رآه أبوبكر، قال: ماجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث. قالت: فلما دخل، تأخر له أبوبكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عني من عندك. فقال: يارسول الله، إنما هما إبنتاي، وماذاك فداك أبي وأمي! فقال: إنه قد أذن بي في الخروج والهجرة. قالت: فقال أبوبكر: الصحبة يارسول الله؟ قال: الصحبة. قالت: فوالله ماشعرت قط قبل ذلك اليوم أحد يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، ثم قال: يانبي الله، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا فاستأجرا عبدالله بن أرقط رجلاً من بني الديل بن بكر، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو، وكان مشركاً -يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاهما لميعادهما.

وجاء في رواية البخاري عن عائشة في حديث طويل تفاصيل مهمة وفي ذلك الحديث : (......قالت عائشة: فبينما نحن يوماً جلوساً في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعاً، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أخرج من عندك، فقال أبوبكر: إنما هم أهلك. فقال: فإني قد أذن لي في الخروج فقال أبوبكر: الصحبة بأبي أنت يارسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم، قال ابوبكر: فخذ بأبي أنت يارسول الله إحد راحلتي هاتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بالثمن، قالت عائشة: فجهزناهما أحسن الجهاز، ووضعنا لهم سفرة في جراب، فقطمت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين، ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر بغار في جبل ثور، فكمنا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبدالله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف، لقن، فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما حيث تذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل -وهو لبن منحهما ورضيفهما ينعق بها عامر بن فهيرة بغلسيفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عبد ابن عدي -هادياً خريتا- والخريت الماهر- قد غمس حلفاً في آل العاص بن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، وواعده غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل.

لم يعلم بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد حين خرج إلا علي بن أبي طالب، وأبوبكر الصديق، وآل أبي بكر، وجاء وقت الميعاد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم ابي بكر فخرجا من خوخة، لأبي بكر في ظهر بيته، وذلك للإمعان في الاستخفاء حتى لاتتبعهما قريش، وتمنعهما من تلك الرحلة المباركة، وقد اتعدا مع الليل على أن يلقاهما عبدالله بن أريقط في غار ثور بعد ثلاث ليال، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة الى المدينة، ووقف عند خروجه بالحزورة في سوق مكة وقال: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله الى الله، ولولا أني أخرجت منك ماخرجت).

ثم أنطلق رسول الله وأبوبكر والمشركون يحاولون أن يقتفوا آثارهم حتى بلغوا الجبل -جبل ثور- اختلط عليهم، فصعدوا الجبل فمروا بالغار، فرآوا على بابه نسيج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه، وهذه من جنود الله عز وجل: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} (سورة المدثر، الآية:31).

وبالرغم من كل الأسباب التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يرتكن إليها مطلقاً، وإنما كان كامل الثقة في الله، عظيم الرجاء في نصره وتأييده، دائم الدعاء بالصيغة التي علمه الله إياها، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} (سورة الاسراء، الآية:80).

وفي هذه الآية الكريمة دعاء يُعلّمه الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ليدعوه به، ولتتعلم أمته كيف تدعو الله وكيف تتجه إليه؟ دعاء بصدق المدخل وصدق المخرج، كناية عن صدق الرحلة كلها، بدئها وختامها، أولها وآخرها ومابين الأول والآخر، وللصدق هنا قيمته بمناسبة ماحاوله المشركون من فتنته عما أنزله الله عليه ليفترى على الله غيره، وللصدق كذلك ظلاله: ظلال الثبات، والاطمئنان والنظافة الاخلاص {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} قوة وهيبة استعلى بهما على سلطان الأرض وقوة المشركين، وكلمة {مِنْ لَدُنْك} تصور القرب والاتصال بالله والاستمداد من عونه مباشرة واللجوء الى حماه.

وصاحب الدعوة لايمكن أن يستمد السلطان إلا من الله، ولا يمكن أن يهاب إلا بسلطان الله، لايمكن أن يستظل بحاكم أو ذى جاه فينصره ويمتعه مالم يكن أتجاهه قبل ذلك الى الله والدعوة قد تغزو قلوب ذوي السلطان والجاه، فيصبحون لها جنداً وخدماً فيفلحون، ولكنها هي لاتفلح إن كانت من جند السلطان وخدمه، فهي من أمر الله، وهي أعلى من ذوي السلطان والجاه.

وعندما أحاط المشركون بالغار، أصبح منهم رأي العين طمأن الرسول صلى الله عليه وسلم الصديق بمعية الله لهما: فعن ابي بكر الصديق قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: ماظنك ياأبابكر باثنين الله ثالثهما؟

وسجل الحق عز وجل ذلك في قوله تعالى: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة التوبة، الآية:40).

وبعد ثلاث ليال من دخول النبي صلى الله عليه وسلم في الغار خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه من الغار، وقد هدأ الطلب، ويئس المشركون من الوصول الى رسول الله، وقد قلنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قد استأجرا رجلاً من بني الديل يسمى عبدالله بن أريقط وكان مشركاً وقد أمِناهُ فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما وقد جاءها فعلاً في الموعد المحدد وسلك بهما طريقاً غير معهودة ليخفي أمرهما عمن يلحق بهم من كفار قريش، وفي أثناء الطريق الى المدينة مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بأم معبد، في قديد، حيث مساكن خزاعة، وهي أخت حبيش بن خالد الخزاعي الذي روى قصتها، وهي قصة تناقلها الرواة وأصحاب السير، وقال عنها ابن كثر: (وقصتها مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضاً).

وقد أعلنت قريش في نوادي مكة بأنه من يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً فله مائة ناقة وانتشر هذا الخبر عند قبائل العرب الذين في ضواحي مكة وطمع سراقة بن مالك بن جعشم في نيل الكسب الذي أعدته قريش لمن يأتي برسول الله صلى الله عليه وسلم فأجهد نفسه لينال ذلك، ولكن الله بقدرته التي لايغلبها غالب، جعله يرجع مدافعاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان جاهداً عليه.

ولما سمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، كانوا يفدون كل غداة الى الحرة، فينتظرون حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يوماً بعد ماأطالوا انتظارهم فلما أووا الى بيوتهم أوفى رجل من يهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه فبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه مبيضين، يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته، يامعشر العرب هذا جدكم، الذي تنتظرون، فثار المسلمون الى السلاح فتلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهر الحرة فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عوف، وذلك يوم الخميس الأثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبابكر حتى ظلل عليه بردائه، فعرف الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك.

كان يوم وصول الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الى المدينة يوم فرح وابتهاج لم تر المدينة يوماً مثله، ولبس الناس أحسن ملابسهم كأنهم في يوم عيد، ولقد كان حقاً يوم عيد، لأنه اليوم الذي انتقل فيه الاسلام من ذلك الحيز الضيق في مكة الى رحابة الانطلاق والانتشار بهذه البقعة المباركة المدينة، ومنها الى سائر بقائع الأرض لقد أحس أهل المدينة بالفضل الذي حباهم الله به، وبالشرف الذي اختصهم الله به، فقد صارت بلدتهم موطناً لإيواء رسول الله وصحابته المهاجرين ثم لنصرة الاسلام كما أصبحت موطناً للنظام الاسلامي العام التفصيلي بكل مقوماته ولذلك خرج أهل المدينة يهللون في فرح وابتهاج ويقولون يارسول الله يامحمد يارسول الله، وبعد هذا الاستقبال الجماهيري العظيم الذي لم يرد مثله في تاريخ الانسانية سار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل في دار أبي أيوب الانصاري ، ونزل الصديق على خارجة بن زيد الخزرجي الأنصاري.

وبدأت رحلة المتاعب والمصاعب والتحديات، فتغلب عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم للوصول للمستقبل الباهر للأمة والدولة الاسلامية التي استطاعت أن تصنع حضارة إنسانية رائعة على أسس من الإيمان والتقوى والإحسان والعدل بعد أن تغلبت على اقوى دولتين كانتا تحكمان في العالم، وهما الفرس والروم، وكان الصديق الساعد الأيمن لرسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بزوغ الدعوة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم ، وكان ابوبكر ينهل بصمت وعمق من ينابيع النبوة: حكمة وإيماناً، يقيناً وعزيمة، تقوى وإخلاصاً، فإذا هذه الصحبة تثمر: صلاحاً وصدِّيقية، ذكراً ويقظة، حُباً وصفاء، عزيمة وتصميماً، إخلاصاً وفهماً، فوقف مواقفه المشهودة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في سقيفة بني ساعدة وغيرها من المواقف وبعث جيش أسامة وحروب الردة، فأصلح مافسد، وبنى ماهُدم، وجمع ماتفرق، وقوّم ماانحرف، إن حداثة هجرة الصديق مع رسول الله فيها دروس وعبر وفوائد منها:

أولاً: قال تعالى: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة التوبة، الآية40).

ففي هذه الآية الكريمة دلالة على أفضلية الصديق من سبعة أوجه ففي الآية الكريمة من فضائل أبي بكر :



1- أن الكفار أخرجوه:

الكفار أخرجوا الرسول (ثاني أثنين) فلزم أن يكونوا أخرجوهما، وهذا هو الواقع.

2- أنه صاحبه الوحيد:

الذي كان معه حين نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا هو أبوبكر، وكان ثاني أثنين الله ثالثهما. قوله {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} ففي المواضع التي لايكون مع النبي صلى الله عليه وسلم من أكابر الصحابة إلا و احد يكون هو ذلك الواحد مثل سفره في الهجرة ومقامه يوم بدر في العريش لم يكن معه فيه إلا أبوبكر، ومثل خروجه الى قبائل العرب يدعوهم الى الاسلام كان يكون معه من أكابر الصحابة أبوبكر، وهذا اختصاص في الصحبة لم يكن لغيره باتفاق أهل المعرفة بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم

3- أنه صاحبه في الغار:

الفضيلة في الغار ظاهرة بنص القرآن وقد أخرجا في الصحيحين من حديث أنس، عن أبي بكر الصديق قال: نظرت الى أقدام المشركين على رؤسنا ونحن في الغار، فقلت: يارسول الله لو أن أحدهم نظر الى قدميه لأبصرنا. فقال: ياأبابكر ماظنك باثنين الله ثالثهما وهذا الحديث مع كونه مما اتفق أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول فلم يختلف في ذلك اثنان منهم فهو مما دل القرآن على معناه.

4- أنه صاحبه المطلق:

قوله: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} لايختص بمصحابته في الغار، بل هو صاحبه المطلق الذي عمل في الصحبة كما لم يشركه فيه غيره -فصار مختصاً بالأكملية من الصحبة، وهذا مما لانزاع فيه بين أهل العلم باحوال النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا قال من قال من العلماء: إن فضائل الصديق خصائص لم يشركه فيها غيره.

5- أنه المشفق عليه:

قوله {لا تَحْزَنْ} يدل على أن صاحبه كان مشفقاً عليه محباً له ناصراً له حيث حزن، وإنما بحزن الإنسان حال الخوف على من يحبه، وكان حزنه على النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يقتل ويذهب الاسلام، ولهذا لما كان معه في سفر الهجرة كان يمشي امامه تارة، ووراءه تارة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون وراءك، وفي رواية أحمد في كتاب فضائل الصحابة: ...فجعل أبوبكر يمشي خلفه ويمشي أمامه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مالك؟ قال: يارسول الله أخاف أن تؤتى من أمامك فأتقدم، قال: فلما انتهينا الى الغار قال أبوبكر: يارسول الله كما أنت حتى أيمه...فلما رأى أبوبكر حجراً في الغار فألقمها قدمه، وقال يارسول الله إن كانت لسعة أو لدغة كانت بي. فلم يكن يرضى بمساواة النبي؛ بل كان لايرضى بأن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعيش؛ بل كان يختار أن يفديه بنفسه وأهله وماله. وهذا واجب على كل مؤمن، والصديق أقوم المؤمنين بذلك.

6- المشارك له في معية الاختصاص:

قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} صريح في مشاركة الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه المعية التي اختص بها الصديق لم يشركه فيها أحد من الخلق... وهي تدل على أنه معهم بالنصر والتأييد والإعانة على عدوهم - فيكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الله ينصرني وينصرك ياأبابكر، ويعيننا عليهم، نصر إكرام ومحبة كما قال الله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ} (سورة غافر، الآية 51). وهذا غاية المدح لأبي بكر؛ إذ دل على أنه ممن شهد له الرسول بالايمان المقتضي نصر الله له مع رسوله في مثل هذه الحال التي يخذل فيها عامة الخلق إلا من نصره الله.

وقال الدكتور عبدالكريم زيدان عن المعية في هذه الآية الكريمة وهذه المعية الربانية المستفادة من قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} أعلى من معيته للمتقين والمحسنين في قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} لأن المعية هنا لذات الرسول وذات صاحبه، غير مقيدة بوصف هو عمل لهما، كوصف التقوى والإحسان بل هي خاصة برسوله وصاحبه مكفولة هذه المعية بالتأييد بالآيات وخوارق العادات.

7- أنه صاحبه في حال إنزال السكينة والنصر:

قال تعالى {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا...} (سورة التوبة، الآية 40) فإن من كان صاحبه في حال الخوف الشديد فلأن يكون صاحبه في حضور النصر والتأييد أولى وأحرى، فلم يحتج أن يذكر صحبته له في هذه الحال لدلالة الكلام والحال عليها. وإذا علم أنه صاحبه في هذه الحال علم أنما حصل للرسول من إنزال السكينة والتأييد بالجنود التي لم يرها الناس لصاحبه فيها أعظم مما لسائر الناس. وهذا من بلاغة القرآن وحسن بيانه.



ثانياً: فقه النبي صلى الله عليه وسلم والصديق في التخطيط والأخذ بالأسباب:


إن من تأمل حادثة الهجرة رأى دقة التخطيط فيها ودقة الأخذ بالأسباب من ابتدائها ومن مقدماتها إلى ماجرى بعدها يدرك أن التخطيط المسدد بالوحي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائماً وأن التخطيط جزء من السنة النبوية وهو جزء من التكليف الإلهي في كل ماطولب به المسلم وأن الذين يميلون إلى العفوية بحجة أن التخطيط وإحكام الأمور ليسا من السُّنة أمثال هؤلاء مخطئون ويجنون على أنفسهم وعلى المسلمين.



فعندما حان وقت الهجرة للنبي صلى الله عليه وسلم في التنفيذ نلاحظ الآتي:


أ-وجود التنظيم الدقيق للهجرة حتى نجحت رغم ماكان يكتنفها من صعاب وعقبات، وذلك أن كل أمر من أمور الهجرة كان مدروساً دراسة وافية، فمثلاً،


1-جاء صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر في وقت شدة الحر -الوقت الذي لايخرج فيه أحد بل من عادته لم يكن يأتي له لماذا؟ حتى لايراه أحد.

2-إخفاء شخصيته صلى الله عليه وسلم أثناء مجيئة للصديق وجاء إلى بيت الصديق متلثماً، لأن التلثم يقلل من إمكانية التعرف على معالم الوجه المتلثم.

3-أمر صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يخرج من عنده، ولما تكلم لم يبين إلا الأمر بالهجرة دون تحديد الإتجاه .

4-وكان الخروج ليلاً ومن باب خلفي في بيت أبي بكر.

5-بلغ الاحتياط مداه، باتخاذ طرق غير مألوفة للقوم، والاستعانة بذلك بخبير يعرف مسالك البادية، ومسارب الصحراء، وكان ذلك الخبير مشركاً مادام على خلق ورزانة وفيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لايحجم عن الاستعانة بالخبرات مهما يكن مصدرها، وقد بين الشيخ عبدالكريم زيدان أن القاعدة والأصل عدم الاستعانة بغير المسلم في الأمور العامة، ولهذه القاعدة استثناء وهو جواز الاستعانة بغير المسلم بشروط معينة وهي: تحقق المصلحة أو رجحانها بهذه الاستعانة، وأن لايكون ذلك على حساب الدعوة ومعانيها، وأن يتحقق الوثوق الكافي بمن يستعان به، وأن لاتكون هذه الاستعانة مثار شبهة لأفراد المسلمين، وأن تكون هناك حاجة حقيقية لهذه الاستعانة على وجه الاستثناء، وإذا لم تتحقق لم تجز الاستعانة، وقد كان الصديق قد دعا أولاده للإسلام ونجح بفضل الله في هذا الدور الكبير والخطير، وقام بتوظيف أسرته لخدمة الإسلام ونجاح هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوزع بين أولاده المهام الخطيرة في مجال التنفيذ العملي لخطة الهجرة المباركة:



1-دور عبدالله بن أبي بكر-رضي الله عنهما-:


فقد قام بدور صاحب المخابرات الصادق وكشف تحركات العدو، لقد ربى عبدالله على حب دينه، والعمل لنصرته ببصيرة نافذة وفطنة كاملة وذكاء متوقد، يدل على العناية الفائقة التي اتبعها سيدنا أبو بكر في تربيته وقد رسم له أبوه دوره في الهجرة فقام به خير قيام، وكان يمتثل في التنقل بين مجالس أهل مكة يستمع أخبارهم، ومايقولونه في نهارهم ثم يأتي الغار إذا أمسى فيحكي للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبيه الصديق مايدور بعقول أهل مكة ومايدبرونه، وقد أتقن عبدالله هذا الواجب بطريقة رائعة فلم تأخذ واحداً من أهل مكة ريبة فيه، وكان يبيت عند الغار حارساً حتى إذا اقترب النهار عاد إلى مكة فما شعر به أحد.



2-دور عائشة وأسماء رضي الله عنهما:


كان لأسماء وعائشة دور عظيم أظهر فوائد التربية الصحيحة حيث قامتا عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر ليلة الهجرة بتجهيز طعام للنبي صلى الله عليه وسلم ولأبيهما: تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فجهزناهما -تقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباها- أحسن الجهاز فصنعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب فلذلك سميت ذات النطاقين.



3-دور أسماء في تحمل الأذى وإخفاء أسرار المسلمين:


أظهرت أسماء رضي الله عنها دور المسلمة الفاهمة لدينها، المحافظة على أسرار الدعوة المتحملة لتوابع ذلك من الأذى والتعنت فهذه أسماء تحدثنا بنفسها حيث تقول: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبي بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يابنت أبي بكر؟ قلت: لا أدري والله أين أبي؟ قالت: فرفع أبو جهل يده -وكان فاحشاً خبيثاً- فلطم خدِّي لطمة طرح منها قرطي قالت: ثم انصرفوا...).

فهذا درس من أسماء رضي الله عنها تعلمه لنساء المسلمين جيلاً بعد جيل كيف تخفي أسرار المسلمين عن الأعداء وكيف تقف صامدة شامخة أمام قوى البغي والظلم؟



4-دور أسماء رضي الله عنها في بث الأمان والطمأنينة في البيت:


خرج أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ماله كله وهو ماتبقى من رأسماله -وكان خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم- وجاء أبو قحافة ليتفقد بيت ابنه، ويطمئن على أولاده وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت: كلا يا أبتِ، ضع يدك على هذا المال. قالت: فوضع يده عليه، فقال: لابأس، إذا كان ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم. لاوالله ماترك لنا شيئاً، ولكني أردت أن أسكّن الشيخ بذلك.

وبهذه الفطنة والحكمة سترت أسماء أباها، وسكنّت قلب جدها الضرير، من غير أن تكذب، فإن أباها قد ترك لهم حقاً هذه الأحجار التي كوّمتها لتطمئن لها نفس الشيخ إلا أنه قد ترك لهم معها إيماناً بالله لاتزلزله الجبال، ولاتحركه العواصف الهوج، ولايتأثر بقلة أو كثرة في المال، وورثهم يقيناً وثقة به لاحد لها، وغرس فيهم همة تتعلق بمعالي الأمور، ولاتلتفت إلى سفاسفها، فضرب بهم للبيت المسلم مثالاً عزّ أن يتكرر،وقلّ أن يوجد نظيره.

لقد ضربت أسماء رضي الله عنها بهذه المواقف لنساء وبنات المسلمين مثلاً هُنَّ في أمس الحاجة إلى الإقتداء به، والنسج على منواله وظلت أسماء مع أخواتها في مكة، لاتشكو ضيقاً، ولاتظهر حاجة، حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة وأبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم إلى مكة فقدما عليه بفاطمة وأم كلثوم ابنتيه، وسودة بنت زمعة زوجه وأسامة بن زيد، وأمه بركة المكناة بأم أيمن، وخرج معهما عبدالله بن أبي بكر بعيال أبي بكر، حتى قدموا المدينة مصطحبين.



5-دور عامر بن فهيرة-مولى أبي بكر - :


من العادة عند كثير من الناس إهمال الخادم، وقلة الاكتراث بأمره، لكن الدعاة الربانيين لايفعلون ذلك، إنهم يبذلون جهدهم لهداية من يلاقوه لذا أدب الصديق عامر بن فهيرة مولاه وعلمه، فأضحى عامر جاهزاً لفداء الإسلام وخدمة الدين.

وقد رسم له سيدنا أبو بكر دوراً هاماً في الهجرة، فكان يرعى الغنم مع رعيان مكة لكن لايلفت الأنظار لشيء، حتى إذا أمسى أراح بغنم سيدنا أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فاحتلبا وذبحا ثم يكمل عامر دور عبدالله بن أبي بكر حين يغدو من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه عائداً إلى مكة فيتتبع آثار عبدالله ليعض عليها مما يعد ذكاء، وفطنة في الإعداد لنجاح الهجرة.

وإن لدرس عظيم يستفاد من الصديق لكي يهتم المسلمون بالخدم الذين يأتونهم من مشارق الدنيا ومغاربها ويعاملونهم على كونهم بشراً أولاً ثم يعلمونهم الإسلام، فلعل الله يجعل منهم من يحمل هذا الدين كما ينبغي.

إن ماقام به الصديق من تجنيد أسرته لخدمة صاحب الدعوة عليه الصلاة والسلام في هجرته يدل على تدبير للأمور على نحو رائع دقيق، واحتياط للظروف بأسلوب حكيم، ووضع لكل شخص من أشخاص الهجرة في مكانه المناسب، وسد لجميع الثغرات، وتغطية بديعة لكل مطالب الرحلة، واقتصار على العدد اللازم من الأشخاص من غير زيادة ولا إسراف لقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسباب المعقولة أخذاً قوياً حسب استطاعته وقدرته ... ومن ثم باتت عناية الله متوقعة.

إن اتخاذ الأسباب أمر ضروري وواجب، ولكن لايعني ذلك دائماً حصول النتيجة، ذلك لأن هذا أمر يتعلق بأمر الله، ومشيئته ومن هنا كان التوكل أمراً ضرورياً وهو من باب استكمال اتخاذ الأسباب.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعد كل الأسباب واتخذ كل الوسائل ولكنه في الوقت نفسه مع الله يدعوه ويستنصره أن يكلل سعيه بالنجاح وهنا يستجاب الدعاء، ويكلل العمل بالنجاح.



ثالثاً: جندية الصديق الرفيعة وبكائه من الفرح:


تظهر أثر التربية النبوية في جندية أبي بكر الصديق ، فأبو بكر عندما أراد أن يهاجر إلى المدينة وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لاتعجل لعل الله يجعل لك صاحباً) فقد بدأ في الإعداد والتخطيط للهجرة (فابتاع راحلتين واحتبسهما في داره يعلفهما إعداداً لذلك) وفي رواية البخاري، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر-وهو الخبط- أربعة أشهر). لقد كان يدرك بثاقب بصره وهو الذي تربى ليكون قائداً، أن لحظة الهجرة صعبة قد تأتي فجأة ولذلك هيأ وسيلة الهجرة، ورتب تموينها، وسخر أسرته لخدمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعندما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره إن الله قد أذن له في الخروج والهجرة، بكا من شدة الفرح وتقول عائشة رضي الله عنها في هذا الشأن: فوالله ماشعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، إنها قمة الفرح البشري، أن يتحول الفرح إلى بكاء مما قال الشاعر عن هذا:

ورد الكتاب من الحبيب بأنه سيزورني فاستعبرت اجفاني

غلب السرور عليّ حتى إنني من فرط ماقد سرني أبكاني

ياعين صار الدمع عندك عادة تبكين من فرح ومن أحزاني

فالصديق يعلم أن معنى هذه الصحبة أنه سيكون وحده برفقة رسول رب العالمين بضعة عشرة يوماً على الأقل وهو الذي سيقدم حياته لسيده وقائده وحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم فأي فوز في هذا الوجود يفوق هذا الفوز: أن يتفرد الصديق وحده من دون أهل الأرض ومن دون الصحب جميعاً برفقة سيد الخلق وصحبته كل هذه المدة، وتظهر معاني الحب في الله في خوف أبي بكر وهو في الغار من أن يراهما المشركون ليكون الصديق مثلاً لما ينبغي أن يكون عليه جندي الدعوة الصادق مع قائده الأمين حين يحدق به الخطر من خوف وإشفاق على حياته، فما كان أبو بكر ساعتئذ بالذي يخشى على نفسه الموت، ولو كان كذلك لما رافق رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الهجرة الخطيرة وهو يعلم أن أقل جزائه القتل إن أمسكه المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنه كان يخشى على حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وعلى مستقبل الإسلام إن وقع الرسول صلى الله عليه وسلم في قبضة المشركين، ويظهر الحس الأمني الرفيع للصديق في هجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف كثيرة منها، حين أجاب السائل: من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فقال: هذا هادٍ يهديني السبيل، فظن السائل بأن الصديق يقصد الطريق، وإنما كان يقصد سبيل الخير وهذا يدل على حسن استخدام أبي بكر للمعاريض فراراً من الحرج أو الكذب، وفي إجابته للسائل تورية وتنفيذاً للتربية الأمنية التي تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن الهجرة كانت سراً وقد أقره الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.




رابعاً: فن قيادة الأرواح وفن التعامل مع النفوس:


يظهر الحب العميق الذي سيطر على قلب ابي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة، كما يظهر حب سائر الصحابة أجمعين في سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وهذا الحب الرباني كان نابعاً من القلب، وبإخلاص، لم يكن حب نفاق أو نابعاً من مصلحة دنيوية، أو رغبة في منفعة أو رهبة لمكروه قد يقع ومن أسباب هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفاته القيادية الرشيدة، فهو يسهر ليناموا، ويتعب ليستريحوا، ويجوع ليشبعوا، كان يفرح لفرحهم ويحزن لحزنهم، فمن سلك سنن الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته، في حياته الخاصة والعامة، وشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم وكان عمله لوجه الله أصابه هذا الحب إن كان من الزعماء أو القادة أو المسؤولين في أمة الإسلام.

وصدق الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي عندما قال:

فإذا أحب الله باطن عبده ظهرت عليه مواهب الفتاح

وإذا صفت لله نية مصلح مال العباد عليه بالأرواح

إن القيادة الصحيحة هي التي تستطيع أن تقود الأرواح قبل كل شيء وتستطيع أن تتعامل مع النفوس قبل غيرها، وعلى قدر إحسان القيادة يكون إحسان الجنود وعلى قدر البذل من القيادة يكون الحب من الجنود، فقد كان صلى الله عليه وسلم رحيماً، وشفوقاً بجنوده وأتباعه، فهو لم يهاجر إلا بعد أن هاجر معظم أصحابه، ولم يبقى إلا المستضعفين والمفتونين ومن كانت له مهمات خاصة بالهجرة.

والجدير بالذكر أن حب الصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان لله ومما يبين الحب لله والحب لغير الله: أن ابا بكر كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم مخلصاً لله، وأبوطالب عمه كان يحبه وينصره لهواه لا لله، فتقبل الله عمل أبي بكر وأنزل فيه قوله : {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى`الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى`وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى`إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى`وَلَسَوْفَ يَرْضَى`} (سورة الليل، الآيات:17-21)، وأما أبوطالب فلم يتقبل عمله، بل أدخله النار، لأنه كان مشركاً عاملاً لغير الله. وأبوبكر لم يطلب أجره من الخلق، لا من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من غيره، بل آمن به وأحبه وكلأه وأعانه من الله، متقرباً بذلك الى الله وطالباً الأجر من الله ويبلغ عن الله أمره ونهيه ووعده ووعيده.




خامساً: مرض أبي بكر الصديق بالمدينة في بداية الهجرة:



كانت هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البلد الأمين تضحية عظيمة عبّر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله الى الله، ولولا أني أخرجت منك ماخرجت).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة قدمها وهي أوبأ ارض الله من الحمى، وكان واديها يجري نجلاً -يعني ماءً آجناً- فأصاب أصحابه منها بلاءً وسقم وصرف الله ذلك عن نبيه. قالت: فكان أبوبكر، وعامر بن فهيرة وبلال في بيت واحد، فأصابتهم الحمى، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادتهم فأذن، فدخلت إليهم أعودهم وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب وبهم مالا يعلمه إلا الله من شدة الوعك، فدنوت من أبي بكر فقلت:

ياأبت كيف تجدك؟ فقال:

كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله

قالت: فقلت والله مايدري أبي مايقول.ثم دنوت من عامر بن فهيرة فقلت: كيف تجدك ياعامر؟ فقال:

لقد وجدت الموت قبل ذوقه إن الجبان حتفه من فوقه

كل امرئ مجاهد بطوقه كالثور يحمى جلده بروقه

قالت: قلت: والله مايدري عامر مايقول. قالت: وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى اضطجع بفناء البيت ثم يرفع عقيرته، ويقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة بواد وحولي إذخر وجليل

وهل أُرِدَن يوماً مياه مَجِنَة وهل يبدون لي شامة وطفيل

قالت: فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: (اللهم حبِّب إلينا المدينة كحبنا مكة، أو أشد، اللهم وصحّحها وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل حمّاها وأجعلها بالجحفة)

وقد استجاب الله دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم وعوفي المسلمون بعدها من هذه الحمى، وغدت المدينة موطناً ممتازاً لكل الوافدين والمهاجرين إليها من المسلمين على تنوع بيئاتهم ومواطنهم.

شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد استقراره بالمدينة في تثبيت دعائم الدولة الاسلامية، فآخى بين المهاجرين والانصار، ثم أقام المسجد، وأبرم المعاهدة مع اليهود وبدأت حركة السرايا، واهتم بالبناء الاقتصادي والتعليمي والتربوي في المجتمع الجديد، وكان أبوبكر وزير صدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولازمه في كل أحواله ولم يغيب عن مشهد من المشاهد ولم يبخل بمشورة أو مال أو رأي.






التوقيع :


شكرا ً دكتورة ميمة , تسلم يمينك

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]


تسلم يمين من سوت التوقيع



كن شامخاً في تواضعك ،،

ومتواضع في شموخك ،،

فتلك واحدة من صفات العظماء ..
  رد مع اقتباس
الـوسـام الافـتـراضـي 

المستوى: 34 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة: 1250 / 1250

النشاط: 552 / 859
الخـبـرة: 35%

قديم 12-13-2008, 07:58 PM   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
Ray of Hope
Super Moderator
 
الصورة الرمزية Ray of Hope










Ray of Hope غير متواجد حالياً

اخر مواضيعي

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى Ray of Hope

افتراضي


اللقاء الثالث من سيرة أبو بكر الصّدّيق رَضيَ اللهُ عَنْهُ


عناصر الموضوع :

أولاً : الصدِّيق في ميادين الجهاد.

ثانياً : الصديق في المجتمع المدني وبعض صفاته وشيء من فضائله.




أولاً : الصدِّيق في ميادين الجهاد :



أولاً: أبو بكر في بدر الكبرى:

شارك الصديق في غزوة بدر وكانت في العام الثاني من الهجرة وكانت له فيها مواقف مشهورة من أهمها:




1- مشورة الحرب:


لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم نجاة القافلة وإصرار زعماء مكة على قتال النبي صلى الله عليه وسلم استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأمر، فقام أبو بكر فقال وأحسن ثم قام عمر فقال وأحسن.



2- دوره في الاستطلاع مع النبي صلى الله عليه وسلم:


قام النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر يستكشف أحوال جيش المشركين وبينما هما يتجولان في تلك المنطقة لقيا شيخاً من العرب، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جيش قريش، وعن محمد وأصحابه، وما بلغه صلى الله عليه وسلم من أخبارهم: فقال الشيخ لا أخبركما حتى تخبراني مما أنتما. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أخبرتنا أخبرناك فقال: أو ذاك بذاك؟ قال: نعم. فقال الشيخ: فإنه بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا -للمكان الذي به جيش المسلمين- وبلغني أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا -للمكان الذي فيه جيش المشركين فعلاً- ثم قال الشيخ: لقد أخبرتكما عما أردتما، فأخبراني: ممن أنتما؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن من ماء. ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عن الشيخ، وبقي هذا الشيخ يقول: ما من ماء؟ أمن ماء العراق.

وفي هذا الموقف يتضح قرب الصديق من النبي صلى الله عليه وسلم وقد تعلم أبو بكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم دروساً كثيرة.



3- في حراسة النبي صلى الله عليه وسلم في عريشه:


عندما رتب صلى الله عليه وسلم الصفوف للقتال رجع الى مقر القيادة وكان عبارة عن عريش على تلِّ مشرف على ساحة القتال وكان معه فيه أبوبكر وكانت ثلة من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون عريش رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تحدث علي بن أبي طالب عن هذا الموقف فقال: يا أيها الناس من أشجع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين، فقال: أما إني مابارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبوبكر: إنا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فو الله مادنا منه أحد إلا أبا بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد من المشركين إلا أهوى إليه فهذا أشجع الناس.



4- الصديق يتلقى البشارة بالنصر، ويقاتل بجانب رسول الله صلى الله عليه وسلم :


بعد الشروع في الأخذ بالأسباب اتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ربه يدعوه ويناشده النصر الذي وعده ويقول في دعائه: (اللهم أنجز لي ماوعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبداً) ومازال صلى الله عليه وسلم يدعو ويستغيث حتى سقط رداوه، فأخذه أبو بكر ورده على منكبيه وهو يقول: يا رسول الله كفاك مناشدتك ربك فإنه منجر لك ماوعدك) ، وأنزل الله عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} وفي رواية ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: (الله انشدك عهد ووعدك، الله إن شئت لم تعبد) فأخذ ابو بكر بيده، فقال: حسبك الله، فخرج صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}، وقد خفق النبي صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال: ابشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع) يعني الغبار، قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الناس فحرضهم.

وقد تعلم الصديق من هذا الموقف درساً ربانياً مهماً في التجرد النفسي وحظها والخلوص واللجوء لله وحده والسجود والجثي بين يدي الله سبحانه لكي ينزل نصره وبقى هذا المشهد راسخاً في ذاكرة الصديق وقلبه ووجدانه يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم في تنفيذه في مثل هذه الساعات، وفي مثل هذه المواطن ويبقى هذا المشهد درساً لكل قائد أو حاكم أو زعيم أو فرد يريد أن يقتدي بالنبي e وصحابته الكرام.

ولما اشتد أوار المعركة وحمى وطيسها نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرض على القتال والناس على مصافهم يذكرون الله تعالى، وقد قاتل صلى الله عليه وسلم بنفسه قتالاً شديد وكان بجانبه الصديق، وقد ظهرت منه شجاعة وبسالة منقطعة النظير، وكان على استعداد لمقاتلة كل كافر عنيد ولو كان أبنه، وقد شارك ابنه عبد الرحمن في هذه المعركة مع المشركين، وكان من أشجع الشجعان بين العرب، ومن أنفذ الرماة سهماً في قريش، فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي (أي ظهرت أمامي كهدف واضح) يوم بدر، فملت عنك ولم اقتلك. فقال له أبوبكر: ولكنك لو أهدفت لي لم أمِلْ عنك.


5- الصديق والأسرى:

قال ابن عباس : ...فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: (ما ترون في هؤلاء الأسارى؟) فقال أبوبكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة: أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا بن الخطاب؟ قال: لا والله يا رسول، ما أرى الذي يراه أبو بكر، ولكني أرى أن تمكننا منهم، فنضرب أعناقهم، فتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه، وتمكنني من فلان (نسيباً لعمر) فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت: فلما كان الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر قاعدين يبكيان، قلت يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكي للذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء ولقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة -شجرة قريبة من النبي صلى الله عليه وسلم- وأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى.....} إلى قوله {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالا طَيِّبًا.....} فأحل الله لهم الغنيمة وفي رواية عن عبد الله بن مسعود قال: لما كان يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماتقولون في هؤلاء الأسرى؟) فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم واستأن بهم لعل الله أن يتوب عليهم. وقال عمر: يا رسول الله أخرجوك وكذبوك قربهم فاضرب أعناقهم. وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر وادياً كثير الحطب، فادخلهم فيه ثم اضرم عليهم ناراً. فقال العباس: قطعت رحمك، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئاً. فقال ناس: يأخذ بقول ابي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى عليه السلام إذ قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة المائدة، الآية:118) وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} (سورة نوح، الآية 26).

وإن مثلك كمثل موسى إذ قال: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ} (سورة يونس، الآية 88). كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ استشار أصحابه أول من يتكلم أبوبكر في الشورى، وربما تلكم غيره، وربما لمن يتكلم غيره، فيعمل برأيه وحده، فإذا خالفه غيره ابتع رأيه دون رأي من يخالفه.




ثانياً: في أحد وحمراء الأسد:


في يوم أحد تلقى المسلمون درساً صعباً، فقد تفرقوا من حول النبي e، وتبعثر الصحابة في أرجاء الميدان، وشاع أن الرسول e قتل وكان رد الفعل على الصحابة متبايناً، وكان الميدان فسيحاً وكل مشغول بنفسه، وشق الصديق الصفوف وكان أول من وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واجتمع إلى رسول الله أبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح، وعلي، وطلحة والزبير، وعمر بن الخطاب والحارث بن الصمة، وأبو دجانة، وسعد بن ابي وقاص، وغيرهم.... رضي الله عنهم وقصدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعب من جبل أحد في محاولة لاسترداد قوتهم المادية والمعنوية.

وكان الصديق إذا ذكر أحد قال: ذلك يوم كله لطلحة ثم أنشأ يحدث قال: كنت أول من فاء يوم أحد، فرأيت رجلاً يقاتل في سبيل الله دونه، قال قلت: كن طلحة حيث فاتني ما فاتني، وكان بيني وبين المشركين رجل لا أعرفه، وأنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه، وهو يخطلف المشي خطفاً لا أخطفه فإذا هو أبو عبيدة، فانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كسرت رباعيته وشج وجهه، وقد دخل في وجنتيه حلقتان من حلق المغفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عليكما صاحبكما: يريد طلحة وقد نزف فلم نلتفت إلى قوله، قال: ذهبت لأنزع من وجهه، فقال أبو عبيدة أقسم عليك بحقي لما تركتني فتركته فكره تناولها فيؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرزم عليه بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين ووقعت ثنيته الأخرى مع الحلقة فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتماً...فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفار فإذا به بضع وسبعون من بين طعنة ورمية، وضربة، وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه.

وتتضح منزلة الصديق في هذه الغزوة من موقف أبي سفيان عندما سأل وقال: أفي القوم محمد؟ ثلاث مرات. فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجيبوه. ثم قال: أفي القوم أبن أبي قحافة؟ ثلاث مرات. ثم قال: أفي القوم ابن الخطاب؟ ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه فقال: أما هؤلاء فقد قتلوا فهذا يدل على ظن أبي سفيان زعيم المشركين حينئذ بأن أعمدة الإسلام، وأساسه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر.

وعندما حاول المشركون أن يقبضوا على المسلمين ويستأصلوا شفأتهم، كان التخطيط النبوي الكريم قد سبقهم وأبطل كيدهم، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين مع مابهم من جراحات وقرح شديد للخروج في إثر المشركين، فأستجابوا لله ولرسوله مع مابهم من البلاء وانطلقوا فعن عائشة رضي الله عنها قالت لعروة بن الزبير في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} (سورة آل عمران، الآية: 172): يا أبن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا قال: من يذهب في إثرهم؟) فانتدب منهم سبعون رجلاً: كان فيهم أبو بكر والزبير.



ثالثاً: في غزوة بني النضير، وبني المصطلق وفي الخندق وبني قريظة:


أ- خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية من بني عامر على وجه الخطأ لأن عمراً لم يعلم بالعهد الذي بين بني عامر وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بين بني النضير وبني عامر حلف وعهد، فلما آتاهم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول الله إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد. قالوا: فمن يعلوا على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كم ا قال، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلي فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم فقام وخرج إلى المدينة، فلما استلبت النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قالوا في طلبه فرأوا رجلاً مقبلاً من المدينة فسألوه عنه فقال: رأيته داخلاً المدينة. فأقبل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به.

فبعث النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده، فبعث إليهم أهل النفاق يحرضونهم على المقام ويعدونهم بالنصر، فقويت نفوسهم وحمى حيي بن أخطب وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يخرجون، ونابذوه بنقض العهد فعند ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالخروج إليهم فحاصروهم خمس عشرة ليلة فتحصنوا في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق، ثم أجلاهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة فنزلت سورة الحشر].




ب- بني المصطلق:



أراد بنو المصطلق أن يغزو المدينة، فخرج لهم رسول الله في أصحابه فلما انتهى إليهم دفع راية المهاجرين إلى أبي بكر الصديق، ويقال إلى عمار بن ياسر وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة. ثم أمر عمر بن الخطاب فنادى في الناس أن قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم فأبوا، فتراموا بالنبل ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين فحملوا حملة رجل واحد فما أفلت منهم رجل واحد، وقتل منهم عشرة وأسر سائرهم، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد.



جـ- في الخندق وبني قريظة:


كان الصديق في الغزوتين مرافقاً للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يوم الخندق يحمل التراب في ثيابه وساهم مع الصحابة للإسراع في انجاز حفر الخندق في زمن قياسي مما جعل فكرة الخندق تصيب هدفها في مواجهة المشركين.



رابعاً: في الحديبية:


خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة ست من الهجرة يريد زيارة البيت الحرام في كوكبة من الصحابة عددها أربع عشرة مائة وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه، وليعلم الناس أنه إنما خرج زائر لتعظيم بيت الله الحرام فبعث النبي صلى الله عليه وسلم عيناً له من خزاعة فعاد بالخبر أن أهل مكة جمعوا جموعهم لصده عن الكعبة فقال: أشيروا عليَّ أيها الناس، فقال أبو بكر يا رسول الله خرجت عامداً لهذا البيت لا تريد حربه أو قتل أحد، فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه، قال امضوا على اسم الله، وقد ثارت ثائرة قريش وحلفوا أن لايدخل الرسول صلى الله عليه وسلم مكة عنوة ثم قامت المفاوضات بين أهل مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم وقد عزم النبي صلى الله عليه وسلم على إجابة أهل مكة على طلبهم إن أرادوا شيئاً فيه صلة رحم.



أ-في المفاوضات:


جاءت وفود قريش لمفاوضة النبي صلى الله عليه وسلم وكان أول من أتى بديل بن ورقاء من خزاعة فلما علم بمقصد النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين رجع إلى أهل مكة ثم جاء مكرز بن حفص ثم بالحليس بن علقمة ثم عروة بن مسعود الثقفي فدار هذا الحوار بين النبي صلى الله عليه وسلم وعروة بن مسعود الثقفي واشترك في هذا الحوار أبو بكر وبعض أصحابه.

قال عروة: يامحمد أجمعت أوباش الناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم؟ إنها قريش قد خرجت معها (العوذ المطافيل)- أي خرجت رجالاً ونساءً صغاراً وكباراً- قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله ألا تدخلها عليهم عنوة وايم الله لكأني بهؤلاء يقصد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد انكشفوا عنك!!

فقال أبو بكر: أمصص بظر اللات -وهي صنم ثقيف- أنحن نفرُّعنه وندعه؟ فقال من ذا؟ قالوا أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. وكان الصديق قد أحسن إليه قبل ذلك، فرعى حرمته ولم يجاوبه عن هذه الكلمة ولهذا قال من قال من العلماء: إن هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة والمصلحة، وليس من الفحش المنهي عنه.

لقد حاول عروة بن مسعود أن يشن حرباً نفسية على المسلمين حتى يهزمهم معنوياً، ولذلك لوح بقوة المسلمين العسكرية، معتمداً على المبالغة في تصوير الموقف بأنه سيؤول لصالح قريش لامحالة وحاول أن يوقع الفتنة والإرباك في صفوف المسلمين وذلك حينما حاول إضعاف الثقة بين القائد وجنوده عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم أشواباً من الناس خليقاً أن يفروا ويدعوك، وكان رد الصديق صارماً ومؤثراً في معنويات عروة ونفسيته، فقد كان موقف الصديق في غاية العزة الإيمانية التي قال الله فيها {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران، آية:139).



ب-موقفه من الصلح:


ولما توصل المشركون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلح بقيادة سهيل بن عمرو أصغى الصديق إلى ما وافق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من طلب المشركين رغم ماقد يظهر للمرء أن في هذا الصلح بعض التجاوز أو الإجحاف بالمسلمين وسار على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ليقينه بأن النبي لاينطق عن الهوى، وأنه فعل ذلك لشيء أطلعه الله عليه.

وقد ذكر المؤرخون أن عمر بن الخطاب أتى رسول الله معلناً معارضته لهذه الاتفاقية وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألست برسول الله؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه، وفي رواية: أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني، قلت أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال بلى، فأخبرتك أنا نأتيه هذا العام؟ قلت لا، قال فإنك آتيه ومطوف به قال عمر: فأتيت أبا بكر فقلت له: يا أبا بكر: أليس برسول الله: قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ فقال أبو بكر- ناصحاً الفاروق بأن يترك الاحتجاج والمعارضة - إلزم غرزه، فإني أشهد أنه رسول الله، وأن الحق ما أمر به، ولن نخالف أمر الله ولن يضيّعه الله، وكان جواب الصديق مثل جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن أبو بكر يسمع جواب النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان أبو بكر أكمل موافقة لله وللنبي صلى الله عليه وسلم من عمر مع أن عمر مُحدِّث، ولكن مرتبة الصديق فوق مرتبة المحدث، لأن الصديق يتلقى عن الرسول المعصوم كل ما يقوله ويفعله.

وقد تحدث الصديق فيما بعد عن هذا الفتح العظيم الذي تم في الحديبية فقال: ما كان فتح أعظم في الإسلام من فتح الحديبية، ولكن الناس يومئذ قَصُرَ رأيهم عما كان بين محمد وربّه، والعباد يَعْجَلون،والله لايعجل كعجلة العباد حتى يبلغ الأمور ما أراد، لقد نظرت إلى سُهيل بن عمرو في حَجِّة الوداع قائماً عند المنحر يُقّرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بَدَنةً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينحرها بيده، ودعا الحلاَّق فحلق رأسه، وانظر إلى سهيل يلتقط من شعره، وأراه يضعه على عينه، وأذكر إباءه أن يُقِرَّ يوم الحديبية بأن يكتب: (بسم الله الرحمن الرحيم) ويأبى الله أن يكتب: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمدت الله الذي هداه للإسلام.

لقد كان الصديق أسَدَّ الصحابة رأياً وأكملهم عقلاً.



خامساً: في غزوة خيبر، وسرية نجد وبني فزازة:


ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم حصاراً على خيبر واستعد لقتالهم، فكان أول قائد يرسله صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى بعض حصون خيبر فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح، وقد جهد، ثم بعث عمر فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح، ثم قال لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، فكان علي بن أبي طالب وأشار بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل حتى يثخن في اليهود ورضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأسرع المسلمون في قطعة، فذهب الصديق إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأشار عليه بعدم قطع النخيل لما في ذلك من الخسارة للمسلمين سواء فتحت خيبر عنوة أو صلحاً فقبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورة الصديق ونادى بالمسلمين بالكف عن قطع النخيل فرفعوا أيديهم.



ب-في نجد:


أخرج ابن سعد عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى نجد وأمره علينا فبيتنا ناساً من هوازن فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات، وكان شعارنا أمِتْ أمِتْ.



جـ-في بني فزارة:


روى الإمام أحمد من طريق إياس بن سلمة عن أبيه حدثني أبي قال: خرجنا مع أبي بكر بن أبي قحافة وأمره النبي صلى الله عليه وسلم علينا، فغزونا بني فزازة، فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا، فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر فشننا الغارة فقتلنا على الماء من مر قبلنا قال سلمة ثم نظرت إلى عنق من الناس فيه الذرية والنساء نحو الجبل فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل. قال: فجئت بهم أسوقهم إلى أبي بكر حتى أتيته على الماء وفيهم امرأة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب قال فنفلني أبو بكر، فما كشفت لها ثوباً حتى قدمت المدينة ثم بت فلم أكشف لها ثوباً، قال فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوق فقال لي: يا سلمة هب لي المرأة قال: فقلت والله يا رسول الله لقد أعجبتني وماكشفت لها ثوباً، قال فسكت رسول الله، وتركني حتى إذا كان من الغد لقيني رسول الله في السوق فقال لي: ياسلمة هب لي المرأة قال: فقلت والله يارسول الله والله ماكشفت لها ثوبا وهي لك يارسول الله، قال فبعث بها رسول الله إلى أهل مكة وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم رسول الله بتلك المرأة.



سادساً: في عمرة القضاء وفي ذات السلاسل:



أ-في عمرة القضاء:


كان الصديق ضمن المسلمين الذين ذهبوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعتمروا عمرة القضاء مكان عمرتهم التي صدهم المشركون عنها.



ب-في سرية ذات السلاسل:


قال رافع بن عمرو الطائي: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص على جيش ذات السلاسل، وبعث معه في ذلك الجيش أبا بكر وعمر، رضي الله عنهما، وسَرَاة أصحابه، فانطلقوا حتى نزلوا جبل طَيّ، فقال عمرو: انظروا إلى رجل دليل بالطريق، فقالوا: مانعلمه إلا رافع بن عمرو، فإنه كان رَبيلاً في الجاهلية. قال رافع: فلما قضينا غَزَاتنا وانتهيت إلى المكان الذي كنا خرجنا منه، توسّمت أبا بكر ، وكانت له عباءة فدكية، فإذا ركب خَلَّها عليه بخلال، وإذا نزل بسطها فأتيته فقلت: ياصاحب الخِلال، إني توسمتك من بين أصحابك، فائتني بشيء إذا حفظته كنت مثلكم ولا تطوِّل عليّ فأنْسىَ. فقال: تحفظ أصابعك الخمس؟ قلت: نعم، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وتقيم الصلوات الخمس وتؤتي زكاة مالك إن كان لك مال، وتحج البيت، وتصوم رمضان: هل حفظت؟ قلت نعم، قال: وأخرى لاتُؤمَّرَنَّ على اثنين قلت: وهل تكون الإمرة إلا فيكم أهل المَدَر. فقال: يوشك أن تفشو حتى تبلغك ومن هو دونك، إن الله عزوجل لما بعث نبيه صلى الله عليه وسلم دخل الناس في الإسلام، فمنهم من دخل لله فهداه الله، ومنهم من أكرهه السَّيف، فكلهم عُوَّاد الله وجيران الله وخَفَارةُ الله، إن الرجل إذا كان أميراً، فتظالم الناس بينهم فلم يأخذ لبعضهم من بعض انتقم الله منه، إن الرجل منكم لتؤخذ شاة جاره فيظل نَاتئ عضلته غضباً لجاره والله من وراء جاره.

ففي هذه النصيحة دروس وعبر لإبناء المسلمين يقدمها الصحابي الجليل أبو بكر الصديق الذي تربى على الإسلام وعلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهمها:



1-أهمية العبادات: الصلاة لأنها عماد الدين، والزكاة والصوم والحج.


2-عدم طلب الإمارة (ولاتكونن أميراً) تماماً كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبا ذر الغفاري (وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها) ولذلك فإن أبا بكر الفاهم الواعي لكلام حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم جاء في رواية: وأنه من يك أميراً فإنه أطول الناس حساباً، وأغلظهم عذاباً، ومن لايكن أميراً فإنه من أيسر الناس حساباً، وأهونهم عذاباً، فهذا فهم الصديق لمقام الإمارة.

3-إن الله حرم الظلم على نفسه، ونهى عباده أن يتظالموا، أن يظلم بعضهم بعضا، لأن الظلم ظلمات يوم القيامة، كما نهى عن ظلم المؤمنين(من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) ، وهم جيران الله، وهم عواذ الله، والله أحق أن يغضب لجيرانه.

4-على عهد الصدر الأول كان أمراء الأمة خيارها، وجاء وقت فشاء أمرها (الإمارة) وكثرت حتى نالها من ليس لها بأهل: إن هذه الإمارة ليسيرة، وقد أوشكت أن تفشوا حتى ينالها من ليس لها بأهل.

5-وفي غزوة ذات السلاسل ظهر موقف متميز للصديق في احترام الأمراء مما يثبت أن أبا بكر كان صاحب نفس تنطوي على قوة هائلة، وقدرة متميزة في بناء الرجال، وتقديرهم واحترامهم، فعن عبدالله بن بريدة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فلما انتهوا إلى مكان الحرب أمرهم عمرو أن لاينوروا ناراً، فغضب عمر وهم أن يأتيه، فنهاه أبو بكر، وأخبره أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستعمله عليك إلا لعلمه بالحرب فهدأ عنه عمر.




سابعاً: في فتح مكة وحنين والطائف:




أ-في فتح مكة 8هـ:


كان سبب الفتح بعد هدنة الحديبية ماذكره ابن اسحاق قال: حدثني الزهري عن عروة ابن الزبير عن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم أنهما حدثاه جميعاً قالا: في صلح الحديبية أنه من شاء أن يدخل في عقد محمد دخل، ومن شاء أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل، فتواثبت خزاعة وقالوا نحن ندخل في عقد محمد وعهده، وتواثبت بنو بكر وقالوا نحن ندخل في عقد قريش وعهدهم، فمكثوا في ذلك نحو السبعة أو الثمانية عشر شهراً، ثم إن بني بكر وثبوا على خزاعة ليلاً بماء يقال له الوتير- وهو قريب من مكة - وقالت قريش مايعلم بنا محمد، وهذا الليل ومايرانا من أحد فأعانوهم عليهم بالكراع والسلاح وقاتلوهم معهم للضغن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم عمرو بن سالم إلى المدينة فأنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً:

اللهم إني ناشد محمداً حلف أبينا وأبيك الأتلدا

فانصر هداك الله نصراً أعتدا وادع عباد الله يأتوا مددا

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نصرت ياعمرو بن سالم.

وتجهز النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته للخروج إلى مكة، وكتم الخبر، ودعا الله أن يعمي على قريش حتى تفاجأ بالجيش المسلم يفتح مكة وخافت قريش أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بما حدث فخرج أبو سفيان من مكة إلى رسول الله فقال: يا محمد، أشدد العقد، وزدنا في المدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ولذلك قدمت؟ هل كان من حدث قبلكم، فقال معاذ الله نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل، فخرج من عند النبي صلى الله عليه وسلم يقصد مقابلة الصحابة عليهم الرضوان.



1-أبو بكر وأبو سفيان:


طلب أبو سفيان من أبي بكر أن يجدد العقد ويزدهم في المدة، فقال أبو بكر: جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم. وهنا تظهر فطنة الصديق وحنكته السياسية ثم يظهر الإيمان القوي بالحق الذي هو عليه ويعلن أمام أبي سفيان دون خوف أنه مستعد لحرب قريش بكل مايمكن ولو وجد الذر تقاتل قريشاً لأعانها عليها.



2-بين عائشة وأبي بكر الصديق رضي الله عنهما:


دخل الصديق على عائشة وهي تغربل حنطة وقد أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تخفي ذلك .. فقال لها أبو بكر: يابنية لم تصنعين هذا الطعام؟ فسكتت، فقال: أيريد رسول الله أن يغزو؟ فصمتت، فقال لعله يريد بني الأصفر - أي الروم - فصمتت، فقال لعله يريد أهل نجد؟ فصمتت، فقال لعله يريد قريشاً، فصمتت، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الصديق له: يا رسول الله أتريد أن تخرج مخرجاً؟ قال: نعم، لعل تريد بني الأصفر؟ قال: لا، قال: أتريد أهل نجد؟ قال: لا، قال: فلعلك تريد قريشاً؟ قال: نعم. قال أبو بكر: يا رسول الله أليس بينك وبينهم مدة؟ قال: ألم يبلغك ماصنعوا ببني كعب؟

وهنا سلم أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم وجهز نفسه ليكون مع القائد صلى الله عليه وسلم في هذه المهمة الكبرى وذهب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار فلم يتخلف منهم أحد .



3-الصديق في دخول مكة:


لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عام الفتح وكان بجانبه أبو بكر رأى النساء يلطمن وجوه الخيل فابتسم إلى أبي بكر وقال: يا أبا بكر كيف قال حسان؟ فأنشد أبو بكر:

عَدِمْنَا خَيلنا إن لم تروْها تُثير النَّقعَ مَوْعِدُها كَدَاءُ

يباريْنَ الأَسِنَّة مُصغيات على أكتَافِها الأسلُ الظّباءُ

تظلُّ جيادُنا متمطِّرات تلطمهُنَّ بالخُمرِ النساءُ

فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ادخلوها من حيث قال حسان، وقد تمَّت النعمة على الصديق في هذا الجو العظيم بإسلام أبيه أبي قحافة .



ب-في حنين:


أخذ المسلمون يوم حنين درساً قاسياً، إذ لحقتهم هزيمة في أول المعركة جعلتهم يفرون من هول المفاجأة وكانوا كما قال الإمام الطبري: فانشمروا لايلوي أحدٌ على أحد وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أين أيها الناس، هلموا إليَّ، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله .. يا معشر الأنصار، أنا عبد الله ورسوله.. ثم نادى عمه العباس وكان جهوري الصوت فقال له: ياعباس ناد: يا معشر الأنصار، يا أصحاب السمرة، كان هذا هو حال المسلمين في أول المعركة، النبي وحده لم يثبت معه أحد إلا قلة، ولم تكن الفئة التي صبرت مع النبي إلا فئة من الصحابة يتقدمهم الصديق ثم نصرهم الله بعد ذلك نصراً عزيزاً مؤزراً، وكانت هناك بعض المواقف للصديق منها:



1-فتوى الصديق بين يدي رسول الله:


قال ابو قتادة: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين، وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع ليضربني وأضرب يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضمّاً شديداً حتى تخوفت ثم ترك فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم، فإذا بعمر بن الخطاب في الناس، فقلت له: ماشأن الناس؟ قال أمر الله ثم تراجع الناس إلى رسول الله، فقال رسول الله: من أقام بينة على قتيل قتله، فله سلبه، فقمت لألتمس بينة قتيلي فلم أرَ أحداً يشهد لي، فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من جلسائه: سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي، فأرضه منه فقال أبو بكر: كلا لايعطيه، أصيبغ من قريش ويدع أسداً من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدّاه إليّ فاشتريت منه خرافاً، فكان أول مال تأشَّلته في الإسلام.

إن مبادرة الصديق في الزجر والردع والفتوى واليمين على ذلك في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يصدقه الرسول فيما قال ويحكم بقوله خصوصية شرف، لم تكن لأحد غيره) ونلحظ في الخبر السابق أن أبا قتادة الأنصاري حرص على سلامة أخيه المسلم وقتل ذلك الكافر بعد جهد عظيم، كما أن موقف الصديق فيه دلالة على حرصه على إحقاق الحق والدفاع عنه ودليل على رسوخ إيمانه وعمق يقينه وتقديره لرابطة الأخوة الإسلامية وأنها بمنزلة رفيعة بالنسبة له.



2-الصديق وشعر عباس بن مرداس:



حين استقل العباس بن مرداس عطاءه من غنائم حنين قال شعراً عاتب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:

كانت نهابا تلافيتها بكرِّي على المُهرِ في الأجْرَع

وإيقاظي القوم أن يرقدوا إذا هجع الناس لم أهجع

فأصبح نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع

وقد كنت في الحرب ذا تُدْراء فلم أُعطَ شيئاً ولم أُمْنَع

إلا أفائل أعطيتها عديد قوائمها الأربع

وما كان حصن ولاحابس يفوقان شيخي في المجمع

وماكنت دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لايُرْفعِ

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به، فأقطعوا عني لسانه، فأعطوه حتى رَضي، فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأتى العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت القائل: فأصبح نهبي ونهبُ العبيد بين الأقرع وعيينة؟ فقال ابوبكر الصديق: بين عيينة والأقرع؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هما واحد)، فقال أبوبكر: أشهد أنك كما قال الله تعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُبِينٌ} (سورة يس، الآية 69).



ج- في الطائف:


في حصار الطائف وقعت جراحات في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وشهادة، ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهل الطائف الحصار ورجع الى المدينة وممن استشهد من المسلمين في هذه الغزوة عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما رمي بسم فتوفي منه بالمدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .

وعندما قدم وفد ثقيف للمدينة ليعلنوا إسلامهم فما إن ظهر الوفد قرب المدينة حتى تنافس كل من أبي بكر والمغيرة على أن يكون هو البشير بقدوم الوفد للرسول صلى الله عليه وسلم ، وفاز الصديق بتلك البشارة، وبعد أن أعلنوا إسلامهم وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم وأراد أن يؤمّر عليهم أشار أبو بكر بعثمان بن أبي العاص بن أبي العاص -وكان أحدثهم سناً فقال الصديق: يا رسول الله إني رأيت هذا الغلام من أحرصهم على التفقه في الإسلام وتعلم القرآن، فقد كان عثمان بن أبي العاص كلما نام قومه بالهاجرة، عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساله في الدين واستقرأه القرآن حتى فقه في الدين وعلم، وكان إذا وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم نائماً عمد الى أبي بكر وكان يكتم ذلك عن أصحابه فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وعجب منه وأحبه.

وعندما علم الصديق بصاحب السهم الذي أصاب أبنه كانت له مقوله تدل على عظمة إيمانه فعن القاسم بن محمد قال: رُمِيَ عبدالله بن أبي بكر رضي الله عنهما بسهم يوم الطائف، فانتفضت به بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين ليلة، فمات فقدم عليه وفد ثقيف ولم يزل ذلك السهم عنده، فأخرجه إليهم فقال: هل يعرف هذا السَّهمَ منكم أحد؟ فقال سعيد بن عبيد، أخو بني عجلان: هذا سهم أنا بَرِيْتُهُ ورشته، عقبته، وأنا رميت به. فقال أبوبكر: فإن هذا السهم الذي قتل عبدالله بن أبي بكر، فالحمدلله الذي أكرمه بيدك، ولم يُهِنك بيده، فإنه أوسع لكما.




ثامناً: في غزوة تبوك، وإمارة الحج، وفي حجة الوداع:



أ- في تبوك:


خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيش عظيم في غزوة تبوك بلغ عدده ثلاثين ألفاً وكان يريد قتال الروم بالشام، وعندما تجمع المسلمون عند ثنية الوداع بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اختار الأمراء والقادة وعقد الألوية والرايات لهم، فأعطى لواءه الأعظم إلى أبي بكر الصديق وفي هذه الغزوة ظهرت بعض المواقف للصديق منها:



1- موقفه من وفاة الصحابي عبدالله ذو البجادين رضي الله عنه:


قال عبد الله بن مسعود: قمت في جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال: فرأيت شعلة من نار من ناحية العسكر، قال: فاتبعتها، أنظر إليها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات، وإذا هم قد حفروا له، ورسول الله في حضرته، وأبو بكر وعمر يدليانه إليه، وهو يقول: أدنيا إلى أخاكما، فدلياه إليه، فلما هيأه بشقه قال: اللهم إني أمسيت راضياَ عنه فارض عنه. قال (الراوي عبدالله ابن مسعود): قال عبدالله بن مسعود: ياليتني كنت صاحب الحفرة.

وكان الصديق إذا دخل الميت اللحد قال: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباليقين وبالبعث بعد الموت.



2- طلب الصديق من رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء للمسلمين:


قال عمر بن الخطاب: خرجنا الى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلاً وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستقطع حتى إن الرجل لينحر بعيره فيعتصر فرثه فيشربه، ثم يجعل مابقي على كبده، فقال أبوبكر الصديق، يارسول الله إن الله قد عوّدك في الدعاء خيراً، فأدع الله، قال: أتحب ذلك؟ قال: نعم، فرفع يديه فلم يردهما حتى قالت السماء -أي تهيئت لإنزال مائها- فأظلت -أي أنزلت مطراً خفيفاً- ثم سكبت فملأوا مامعهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.



3- نفقة الصديق في تبوك:


حث رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة في غزوة تبوك على الإنفاق بسبب بعدها، وكثرة المشركين فيها، ووعد المنفقين بالأجر العظيم من الله، فأنفق كل حسب مقدرته وكان عثمان صاحب القدح المعلى في الإنفاق في هذه الغزوة.

وتصدق عمر بن الخطاب بنصف ماله وظن أنه سيسبق أبابكر بذلك ونترك الفاروق يحدثنا بنفسه عن ذلك حيث قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فقلت اليوم أسبق أبابكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ماأبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، قال: وأتى أبوبكر بكل ماعنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ماأبقيت لأهلك؟ قال أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لاأسابقك الى شيء أبداً).

كان فعل عمر فيما فعله من المنافسة والغبطة مباحاً ولكن حال الصديق أفضل منه لانه خال من المنافسة مطلقاً ولا ينظر الى غيره.



ب- الصديق أمير الحج سنة 9هـ:


كانت تربية المجتمع وبناء الدولة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم مستمرة على كافة الأصعدة والمجالات العقائدية والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية والعسكرية والتعبدية وكانت فريضة الحج لم تمارس في السنوات الماضية، وحجة عام 8هـ بعد الفتح كُلِّف بها عتّاب بن أسيد، ولم تكن قد تميزت حجة المسلمين عن حجة المشركين، فلما حل موسم الحج أراد الحج صلى الله عليه وسلم ولكنه قال: (إنه يحضر البيت عراة مشركون يطوفون بالبيت، فلا أحب أن أ حج حتى لايكون ذلك) فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم الصديق أميراً على الحج سنة تسعة هجرية، فخرج أبوبكر الصديق بركب الحجيج نزلت سورة براءة فدعا النبي صلى الله عليه وسلم علياً وأمره أن يلحق بأبي بكر الصديق، فخرج على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم : العضباء حتى أدرك الصديق ابابكر بذي حليفة، فلما رآه الصديق قال له: أمير أم مأمور؟ فقال: بل مأمور، ثم سار، فأقام أبوبكر للناس الحج على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية، وكان الحج في هذا العام في ذي الحجة كما دلت على ذلك الروايات الصحيحة لا في شهر ذي القعدة كما قيل، وقد خطب الصديق قبل التروية، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم النفر الأول فكان يعرّف الناس مناسكهم: في وقوفهم وإفاضتهم، ونحرهم، ونفرهم، ورميهم للجمرات..الخ وعلي بن أبي طالب يخلفه في كل موقف من هذه المواقف فيقرأ على الناس صدر سورة براءة ثم ينادي في الناس بهذه الأمور الأربعة: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولايطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله عهد فعهده الى مدته، ولايحج بعد العام مشرك.

وقد أمر الصديق أبا هريرة في رهط آخر من الصحابة لمساعدة علي بن أبي طالب في إنجاز مهمته.

وقد كلف النبي صلى الله عليه وسلم علياً بإعلان نقض العهود على مسامع المشركين في موسم الحج مراعاة لما تعارف عليه العرب فيما بينهم من عقد العهود ونقضها أن لايتولى ذلك إلا سيد القبيلة أو رجل من رهطه، وهذا العرف ليس فيه منافاة للإسلام فلذلك تدارك النبي صلى الله عليه وسلم الأمر وأرسل علياً بذلك فهذا هو السبب في تكليف علياً بتبليغ صدر سورة براءة لا مازعمته الرافضة من أن ذلك للإشارة إلى أن علياً أحق بالخلافة من أبي بكر وقد علق على ذلك الدكتور محمد ابو شهبة فقال: ولا أدري كيف غفلوا عن قول الصديق له: أمير أم مأمور؟ وكيف يكون المأمور أحق بالخلافة من الأمير.

وقد كانت هذه الحجة بمثابة التوطئة للحجة الكبرى وهي حجة الوداع، لقد أعلن في حجة أبي بكر أن عهد الأصنام قد انقضى، وأن مرحلة جديدة قد بدأت، وماعلى الناس إلا أن يستجيبوا لشرع الله تعالى، فبعد هذا الإعلان الذي انتشر بين قبائل العرب في الجزيرة، أيقنت تلك القبائل أن الأمر جد، وأن عهد الوثنية قد انقضى فعلاً فأخذت ترسل وفودها معلنة إسلامها ودخولها في التوحيد.



ج- في حجة الوداع:


روى الإمام أحمد بسنده إلى عبدالله بن الزبير عن أبيه أن أسماء بنت أبي بكر قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاجاً حتى أدركنا (العرج) نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلست عائشة جنب النبي صلى الله عليه وسلم ، وزمالة أبي بكر واحدة مع غلام لأبي بكر فجلس أبو بكر ينتظر أن يطلع عليه، فطلع وليس معه بعيره!! فقال: أين بعيرك؟ فقال: أظللته البارحة! فقال أبوبكر: بعير واحد تضله!! فطفق يضربه ورسول الله يبتسم ويقول: انظروا إلى هذا المحرم وما يصنع.






التوقيع :


شكرا ً دكتورة ميمة , تسلم يمينك

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]


تسلم يمين من سوت التوقيع



كن شامخاً في تواضعك ،،

ومتواضع في شموخك ،،

فتلك واحدة من صفات العظماء ..
  رد مع اقتباس
الـوسـام الافـتـراضـي 

المستوى: 26 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة: 661 / 827

النشاط: 291 / 535
الخـبـرة: 45%

قديم 12-14-2008, 06:31 PM   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
come back mom
Moderator of Discussion broad section
 
الصورة الرمزية come back mom










come back mom غير متواجد حالياً

اخر مواضيعي
 
0 لعبة الصراحة
0 سجل حضورك بإحساسك ...
0 English Chat
0 Your Mood
0 The English words game

Icon27


الله يجزاك خير ويجعله في موازيين حسناتك يـــارب ..
موضوع رائــع وشيق ومو غريبة عليك ..
بارك الله فيك مشرفنــا الراقي راي ..
الله لا يخلينـــا .
تشكراااااااااااااااتـــ






التوقيع :
اللهم ارض عن أمي وارزقهـا الجنه.

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]

نفسي تحدثني بأنك متلفي *** روحي فداكي عرفتي ام لم تعرفي

فديت ذوقك وفنك عيوني د. ميمة ..
  رد مع اقتباس
الـوسـام الافـتـراضـي 

المستوى: 34 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة: 1250 / 1250

النشاط: 552 / 859
الخـبـرة: 35%

قديم 12-14-2008, 11:47 PM   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
Ray of Hope
Super Moderator
 
الصورة الرمزية Ray of Hope










Ray of Hope غير متواجد حالياً

اخر مواضيعي

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى Ray of Hope

افتراضي


اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة come back mom
الله يجزاك خير ويجعله في موازيين حسناتك يـــارب ..
موضوع رائــع وشيق ومو غريبة عليك ..
بارك الله فيك مشرفنــا الراقي راي ..
الله لا يخلينـــا .
تشكراااااااااااااااتـــ

و إياك إن شاء الله نورتي الموضوع و زدتيه نورا

اسعدتني طلتك

لا عدمت طلاتك






التوقيع :


شكرا ً دكتورة ميمة , تسلم يمينك

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]


تسلم يمين من سوت التوقيع



كن شامخاً في تواضعك ،،

ومتواضع في شموخك ،،

فتلك واحدة من صفات العظماء ..
  رد مع اقتباس
الـوسـام الافـتـراضـي 

المستوى: 34 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة: 1250 / 1250

النشاط: 552 / 859
الخـبـرة: 35%

قديم 12-14-2008, 11:51 PM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
Ray of Hope
Super Moderator
 
الصورة الرمزية Ray of Hope










Ray of Hope غير متواجد حالياً

اخر مواضيعي

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى Ray of Hope

افتراضي


ثانياً : الصديق في المجتمع المدني وبعض صفاته وشيء من فضائله :



كانت حياة الصديق في المجتمع المدني مليئة بالدروس والعبر وتركت لنا نموذجاً حياً لفهم الإسلام وتطبيقه في دنيا الناس وقد تميزت شخصية الصديق بصفات عظيمة ومدحه رسول الله في أحاديث كثيرة وبين فضله وتقدمه على كثير من الصحابة رضي الله عنهم أجمين.



أولاً: من مواقفه في المجتمع المدني:


1- موقفه من فنحاص الحبر اليهودي:


ذكر غير واحد من كتّاب السيّر والمفسرين أن أبا بكر دخل بيت المدارس، على يهود، فوجد منهم ناساً قد اجتمعوا إلى رجل منهم، يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر من أحبارهم، يقال له أشيع، فقال أبوبكر لفنحاص: ويحك! اتق الله وأسلم، فوالله إنك تعلم أن محمداً لرسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة والإنجيل، فقال فنحاص لأبي بكر: ولله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، ومانتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء وماهو عنا بغني، ولو كان عنا غنياً ماستقرضنا أموالنا، كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطيناه، ولو كان غنياً ماأعطانا الربا فغضب أبوبكر، فضرب وجه فنحاص ضرباً شديداً، وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت رأسك، أي عدو الله، فذهب فنحاص الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا محمد انظر ماصنع بي صاحبك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ماحملك على ما صنعت؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولاً عظيماً، إنه يزعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، وضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص وقال: ماقلت ذلك، فأنزل الله تعالى فيما قال فنحاص رداً عليه، وتصديقاً لأبي بكر: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} (سورة آل عمران، الآية: 181).

ونزل في ابي بكر الصديق ، ومابلغه في ذلك من الغضب قوله تعالى {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (سورة آل عمران، الآية:186).



2- حفظ سر النبي صلى الله عليه وسلم :


قال عمر بن الخطاب: تأيمت حفصة من خنيس بن حذافة، وكان مما شهد بدراً، فلقيت عثمان بن عفان فقلت: إن شئت انكحتك حفصة، فقال: أنظر ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، فلقيت أبا بكر فعرضتها عليه فصمت فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، ثم لقيني أبوبكر فقال: لعلك وجدت عليّ حين لم أرجع إليك، فقلت: أجل فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك إلا أني علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو تركها لنكحتها.



3- الصديق وآية صلاة الجمعة:


قال جابر بن عبدالله بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، وقدمت عيُر المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم يبق معه صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلاً، فنزلت هذه الآية: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سورة الجمعة، الآية 11) وقال: في الاثنىعشر الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبوبكر وعمر.



4- رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفي الخيلاء عن أبي بكر:


قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من جر ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة)، فقال أبوبكر: إن أحد شِقيَّ يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك لست تصنع ذلك خُيلاء).



5- الصديق وتحريه للحلال:


عن قيس بن أبي حازم قال: كان لأبي بكر غلام فكان إذا جاء بغلتَّه لم يأكل من غلته حتى يسأل، فإن كان شيئاً مما يحب أكل، وإن كان شيئاً يكره لم يأكل، قال: فنسي ليلة فأكل ولم يسأله، ثم سأله فأخبره أنه من شيء كرهه، فأدخل يده فتقيأ حتى لم يترك شيئاً.

فهذا مثال على ورع أبي بكر حيث كان يتحرى الحلال في مطعمه ومشربه، ويتجنب الشبهات، وهذه الخصلة تدل على بلوغه درجات عُليا في التقوى، ولا يَخفَى أهمية طيب المطعم والمشرب والملبس في الدين، وعلاقة ذلك بإجابة الدعاء، كما في حديث الأشعث الأغبر وفيه: (يمد يديه الى السماء: يارب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك).



6- أدخلاني في السلم، كما أدخلتماني في الحرب:


دخل أبوبكر الصديق على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت ابنته عائشة عالياً فلما اقترب منها تناولها ليلطمها وقال: أراك ترفعين صوتك على رسول الله، فجعل رسول الله بحجزه، وخرج أبو بكر مغضباً فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حين خرج أبوبكر: أرايت كيف أنقذتك من الرجل؟ فمكث أبوبكر أياماً، ثم أستأذن على رسول الله فوجدهما قد اصطلحا. فقال لهما: (أدخلاني في سلمكما، كما أدخلتماني في حربكما) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (قد فعلنا).



7-أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر:


دخل أبوبكر على عائشة رضي الله عنهم في أيام العيد، وعندها جاريتان من الأنصار تغنيان فقال أبوبكر: أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضاً بوجهه عنهما، مقبلاً بوجهه الكريم الى الحائط. فقال: دعهما يا أبا بكر، فإن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا أهل الإسلام، ففي الحديث بيان : أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه، ولهذا سماه الصديق مزمار الشيطان، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الجواري عليه معللاً ذلك بأنه يوم عيد، والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد، كما جاء في الحديث: ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة. وكان لعائشة لُعَب تلعب بهن ويجئن صواحباتها من صغار النسوة يلعبن معها، وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع الى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لابمجرد السماع. ومن هذا نفهم أنه يرخص لمن يصلح له اللعب أن يلعب في الأعياد، كالجاريتين الصغيرتين من الأنصار اللتين تغنيان في العيد في بيت عائشة.

8- أكرامه للضيوف:


قال عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: أن أصحاب الصفة كانوا أناساً فقراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مرة: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، وإن أبابكر جاء بثلاث... وإن أبابكر تعشى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد أن مضى من الليل ماشاء الله تعالى فقالت له امرأته: ماحبسك عن أضيافك؟ أو قالت عن ضيفك، قال وماعشيتهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء، وقد عرضوا عليهم فغلبوهم قال: فذهبت أنا فاختبأت، فقال: ياعنثر - فجدع وسب، وقال: كلوا هنيئاً وقال: والله لاأطعم أبداً، وحلف الضيف أن لايطعمه حتى يطعم أبوبكر، فقال أبوبكر: هذه من الشيطان، قال فدعا بالطعام فأكل، فقال: وأيم الله ماكنا نأخذ لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها، فقال حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها فإذا هي كما هي وأكثر فقال لأمرأته: يا أخت بني فراس ماهذا؟ قالت: لا وقرة عيني هي الآن لأكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات، فأكل أبوبكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان -يعني يمينه- ثم أكل منها لقمة ثم حملها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده، وكان بيننا وبين القوم عقد فمضى الأجل فتفرقنا اثنى عشر رجلاً مع كل واحد منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل منهم فأكلوا منها أجمعين.



وفي هذه القصة دروس وعبر منها:



أ- حرص الصديق على تطبيق الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث على إكرام الضيف مثل قوله تعالى: {فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ} (سورة الذاريات، الآية 27).

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فيلكرم ضيفه).

ب- وفي هذه القصة كرامة للصديق حيث جعل لا يأكل لقمة إلا ربي من أسفلها أكثر منها فشبعوا، وصارت أكثر مما هي قبل ذلك، فنظر إليها أبوبكر وامرأته فإذا هي أكثر مما كانت، فرفعها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء إليه أقوام كثيرون فأكلوا منها وشبعوا وهذه الكرامة حصلت ببركة إتباع الصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كافة أحواله وهي تدل على مقام الولاية للصديق فأولياء الله هم المقتدون بمحمد صلى الله عليه وسلم فيفعلون ما أمر به وينتهون عما عنه زجر، ويقتدون به فيما بين لهم أن يتبعوه فيه، فيؤيدهم بملائكته وروح منه ويقذف الله في قلوبهم من أنواره، ولهم الكرامات التي يكرم الله بها أولياؤه المتقين.

ج- تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر لم يحنث في يمين قط حتى أنزل الله كفارة اليمين، فقال: لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خير منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني، فكان إذا حلف على شيء ورأى غيره خيراً منه كفر وأتى الذي هو خير، وفي هذه القصة مايدل على ذلك حيث ترك يمينه الاولى أكراماً لضيوفه وأكل معهم.



9- ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر:


قالت عائشة رضي الله عنها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء - أو بذات الجيش- انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليس على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبابكر فقالوا: ألاترى ماصنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبوبكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فَخِذِي قد نام فقال: حِبَستٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قلت: فعاتبين وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم:{....فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (سورة النساء، الآية43). فقال أسيد بن حضير: ماهي بأول بركتكم يا آل أبي بكر فقالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته)

وفي هذه القصة يظهر حرص الصديق على التأدب مع رسوله، وحساسيته الشديدة على أن يضايقه شيئاً ولا يقبل ذلك ولو كان من أقرب الناس وأحبهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كعائشة رضي الله عنهم، فقد كان قدوة للدعاة في الأدب الجم مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع نفسه ومع المسلمين.



10- انتصار النبي للصديق رضي الله عنه:



لقد ثبت من الأحاديث الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتصر لأبي بكر وينهى الناس عن معارضته، فعن أبي الدرداء قال: كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما صاحبكم فقد غامر) ، فسلم، وقال: يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إلي ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبي علي، فأقبلت إليك. فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثاً. ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثم أبو بكر؟ قالوا: لا. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه، فجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمعر، حتى أشفق أبو بكر فجثى على ركبتيه فقال يا رسول الله: والله أنا كنت أظلم مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي مرتين. فما أوذي بعدها.

وفي هذه القصة دروس وعبر كثيرة منها؛ الطبيعة البشرية للصحابة وما يحدث بينهم من خلاف، وسرعة رجوع المخطئ وطلب المغفرة والصفح من أخيه، تواد الصحابة فيما بينهم، مكانة الصديق الرفيعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه.......الخ.



11- قل: غفر الله لك يا أبا بكر:


قال ربيعة الأسلمي: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم...وذكر حديثاً ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاني بعد ذلك أرضا وأعطى أبو بكر أرضاً وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة، فقلت أنا: هي في حدِّي، وقال أبو بكر، هي في حدي، فكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال ابوبكر كلمة كرهها وندم فقال لي: ياربيعة رد عليها مثلها حتى تكون قصاصاً، قال: قلت: لا أفعل، فقال أبوبكر: لتقولن أو لاستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ما أنا بفاعل، قال: ورفض الأرض، وأنطلق أبو بكر الى النبي صلى الله عليه وسلم، وانطلقت أتلوه، فجاء ناس من أسلم فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد قال لك ماقال، قلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبوبكر الصديق، هذا ثاني أثنين، وهذا ذو شيبة المسلمين، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه فيغضب الله عز وجل لغضبهما فيهلك ربيعة، قال: ماتأمرنا؟ قال: ارجعوا، قال: فانطلق أبوبكر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبعته وحدي حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فحدثه الحديث كما كان، فرفع إليّ رأسه فقال: ياربيعة مالك وللصديق؟ قلت: يارسول الله كان كذا كان كذا، قال لي كلمة كرهها فقال: قل لي كما قلت حتى يكون قصاصاً فأبيت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل فلا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر، فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر. قال الحسن (البصري): فولىَّ ابوبكر وهو يبكي.

(لله أي وجدان هذا الوجدان، وأي نفس تلك النفس، بادرة بدرت منها لمسلم فلم ترض إلا قتصاصه منها، وصفحه عنها، تناهيا بالفضيلة، واستمسكا بالأدب وشعوراً تمكن من الجوانح، وأخذ بمجامع القلوب، فكانت عنده زلة اللسان ولو صغيرة ألما يتململ منه الضمير فلا يستريح إلا بالقصاص منه، ورضا ذلك المسلم عنه)

كانت كلمة هينة، ولكنها أصابت من ربيعة مَوجعاً..فإذا أبو بكر يُزَلزلُ من أجلها، ويأبى إلا القصاص عليها، مع أنه يومئذ كان الرجل الثاني في الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي كلمة لا يمكن أن تكون من فُحش القول أبداً: لأن أخلاقه لم تسمع بهذا، ولم يؤثر عنه حتى في الجاهلية شيء من هذا.

لقد خشي الصديق مغبة تلك الكلمة، ولهذا اشتكى لرسول الله ، وهذا أمر عجيب فإن أبا بكر قد نسى أرضه ونسى قضية الخلاف، وشغل باله أمر تلك الكلمة لأن حقوق العباد لابد فيها من عفو صاحب الحق، وفي هذا درس للشيوخ والعلماء والحكام والدعاة في كيفية معالجة الأخطاء ومراعاة حقوق الناس وعدم الدوس عليها بالأرجل.

وقد استنكر قوم ربيعة أن يذهب أبوبكر يشتكي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال ماقال، ولم يعلموا ماعلمه أبوبكر من لزوم إنهاء قضايا الخصومات، وإزالة ماقد يعلق في القلوب من الوجدة في الدنيا قبل أن يكتب ذلك في الصحف ويترتب عليه الحساب يوم القيامة.

وبالرغم مما ظهر من رضى ربيعة وتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم الى عدم الرد على أبي بكر فإن أبابكر قد بكى من خشية الله تعالى، وهذا دليل على قوة إيمانه، ورسوخ يقينه.

وأخيراً موقف يذكر لربيعة بن كعب الأسلمي ، حيث قام بإجلال أبي بكر ، وأبى أن يرد عليه بالمثل، وهذا من تقدير أهل الفضل والتقدم والمعرفة بحقهم، وهو دليل على قوة الدين ورجاحة العقل.



12- مسابقته في الخيرات:


اتصف الصديق بالأخلاق الحميدة، والصفات الرفيعة ومسابقته في الخيرات حتى صار في الخير قدوة، وفي مكارم الأخلاق أسوة، وكان حريصاً أشد الحرص على الخيرات، فقد أيقن أن مايمكن أن يقوم به المرء اليوم، قد يكون غير ممكن في الغد، فاليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل ولذلك كان من المسارعين في الخيرات، فعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أصبح منكم صائماً؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم مسكيناً؟ قال أبوبكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبوبكر: أنا.فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة.



13- كظمه للغيظ:


قال ابوهريرة: إن رجلاً شتم أبا بكر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويبتسم، فلما أكثر الرجل، رد عليه أبوبكر بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقام فلحقه أبوبكر، وقال: يارسول الله، كان يشتمني وأنت جالس، فلما أكثر رددت عليه بعض قوله، غضبت وقمت!! فقال عليه الصلاة والسلام: إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان ثم قال: ياأبابكر ثلاث كلهنّ حق: مامن عبد ظلم بمظلمة، فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره، ومافتح رجل باب عطية، يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة، ومافتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة.

إن الصديق اتصف بكظم الغيظ ولكنه رد ماظن أنه به يسكت هذا الرجل، فرغبه النبي صلى الله عليه وسلم في الحلم والإناة، وأرشده الى ضرورة تحليه بالصبر في مواطن الغيظ فإن الحلم وكظم الغيظ مما يزيد المرء ويحمله في أعين الناس، ويرفع قدره عند الله تعالى.

ويتبين لنا كذلك من هذا الموقف حرص الصديق على عدم إغضاب النبي e والمسارعة الى إرضائه وفي الحديث ذم الغضب للنفس، والنهي عنه، والتحذير منه، واعتزال الانبياء للمجالس التي يحضرها الشيطان، وبيان الفضل للمظلوم، الصابر، المحتسب للأجر والثواب، وفيه حث على العطايا، وصلة الأرحام، وذم للمسألة وأهلها.

وظل الصديق متمسكاً بالحلم، وكظم الغيظ، حتى عُرف بالحلم والأناة، ولين الجانب، والرفق، وهذا لايعني أن أبابكر لم يكن يغضب، وإنما كان غضبه لله تعالى، فإذا رأى محارم الله قد انتهكت غضب لذلك غضباً شديداً.

لقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم متأملاً ومتفكراً وعاملاً بقوله تعالى {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ`الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ`} (سورة آل عمران، الآيتين 133،134).



14- بلى والله إني أحب أن يغفر الله لي:


كان أبوبكر يَعُول مِسْطَحَ ابن أُثَاثَة، فلما قال في عائشة رضي الله عنها ماقال، في حديث الأفك المشهور - أقسم بالله أبوبكر ألا ينفعه أبداً، فلما أنزل الله عز وجل: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (سورة النور، الآية22). قال ابوبكر : والله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع الى النفقة التي كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبداً. لقد فهم الصديق من الآية بأن على المؤمن التخلق بأخلاق الله، فيعفو عن الهفوات والزلات والمزالق، فإن فعل، فالله يعفو عنه ويستر ذنوبه، وكما تدين تدان، والله سبحانه قال:{ أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} أي كما تحبون عفو الله عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن دونكم وكما أن في الآية من حلف على شيء ألا يفعله، فرأى أن فعله أولى من تركه، أتاه وكفّر عن يمينه، وقال بعض العلماء: هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ.

لقد دلت هذه الآية على أن أبا بكر أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الله وصفه بصفات عجيبة في هذه الآية، دالة على علو شأنه في الدين، أورد الرازي في تفسيره أربع عشرة صفة مستنبطة من هذه الآية: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} منها أنه وصفه بأنه صاحب الفضل على الإطلاق من غير تقييد لذلك بشخص دون شخص، والفضل يدخل فيه الإفضال، وذلك يدل على أنه ، كان فاضلاً على الإطلاق كان مفضلاً على الإطلاق.ومنها أنه لما وصفه تعالى بأنه أولوا الفضل والسعة بالجمع لا بالواحد وبالعموم لابالخصوص على سبيل المدح، وجب أن يقال: إنه كان خالياً عن المعصية لأن الممدوح إلى هذا الحد لايكون من أهل النار.



15-خروجه للتجارة من المدينة إلى الشام:


خرج أبو بكر الصديق للتجارة إلى بصرى ببلاد الشام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مامنعه حبه لملازمة النبي من الذهاب للتجارة، ولامنع النبي صلى الله عليه وسلم الصديق من ذلك مع شدة حبه له. وفي هذا أهمية أن يكون للمسلم مصدر رزق يستغني به عن سؤال الناس، بل ويساهم بهذا الرزق في إغاثة الملهوف، وفك العاني ويسارع في أبواب الإنفاق التي يحبها الله.



16-غيرة الصديق وتزكية النبي صلى الله عليه وسلم لزوجه:


قال عبدالله بن عمرو بن العاص: أن نفراً من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس فدخل أبو بكر الصديق وهي تحته يومئذ فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله، فقال:إن الله تعالى قد برأها من ذلك ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: لايدخل رجل بعد يومي هذا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان.



17-خوفه من الله تعالى:


إن الخوف من الله عز وجل فضيلة تدفع العبد إلى الحذر من المعاصي، ومراقبة الله في السر والعلن، فتزكو أفعاله، وتجمل أعماله وقد أمر المؤمنين بالخوف منه فقال: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}(سورة البقرة، آية:40). وقال: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (سورة هود، آية:112). وجعل للعبد الخائف منه أجراً عظيماً فقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} (سورة الرحمن، آية:46).

وعن أنس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ماسمعت مثلها قط فقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين.

وقد كان الصديق على جانب من الخوف والرجاء عظيم جعله قدوة عملية لكل مسلم سواء حاكماً أو محكوماً قائداً أو جندياً، يريد النجاح والفلاح في الآخرة، فعن محمد بن سيرين قال: لم يكن أحد أهيب لما يعلم بعد النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر. وعن قيس قال: رأيت أبا بكر آخذ بطرف لسانه ويقول: هذا الذي أوردني الموارد، وقد قال أبو بكر: ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا وعن ميمون بن مهران قال: أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين فقلبه ثم قال: ما صيد من صيد ولاعضدت من شجرة إلا بما ضيعت من التسبيح، وعن الحسن قال: قال أبو بكر: والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل وتعضد، وقال أبو بكر: لوددت أني كنت شعرة في جنب عبد مؤمن، وكان رضي الله عنه يتمثل بهذا البيت من الشعر:

لاتزال تنعي حبيباً حتى تكونه وقد يرجوا الرجا يموت دونه




ثانياً: من أهم صفات الصديق وشيء من فضائله:




1-عظمة إيمانه بالله تعالى:



كان إيمان الصديق بالله عظيماً، فقد فهم حقيقة الإيمان وتغلغلة كلمة التوحيد في نفسه وقلبه وانعكست آثارها على جوارحه وعاش بتلك الآثار في حياته، فتحلى بالأخلاق الرفيعة، وتطهر من الأخلاق الوضيعة وحرص على التمسك بشرع الله والاقتداء بهديه e وكان إيمانه بالله تعالى باعثاً له على الحركة والهمة والنشاط والسعي، والجهد والمجاهدة، والجهاد والتربية، والاستعلاء والعزة، وكان في قلبه من اليقين والإيمان شيء عظيم لايساويه فيه أحد من الصحابة قال أبو بكر بن عياش: ماسبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولاصيام ولكن بشيء وقر في قلبه، ولهذا قيل: لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح، كما في السنن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ فقال رجل أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر، ثم وزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم رفع الميزان -فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خلافة نبوة ثم يؤتى الله الملك من يشاء.

وعن أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلاة الصبح ثم أقبل على الناس فقال: بينا رجل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا، إنما خلقنا للحرث. فقال الناس: سبحان الله بقرة تتكلم؟ فقال: إني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر. وماهما ثم. وبينما رجل في غنمه إذ عدا الذئب فذهب منها بشاة، فطلب حتى كأنه استنقذها منه، فقال له الذئب: هذا استنقذتها مني، فمن لها يوم السبع، يو لاراعي لها غيري؟ فقال الناس: سبحان الله، ذئب يتكلم؟ قال: فإني أؤمن بهذا أنا وأبو بكر وعمر. وماهما ثم. ومن شدة إيمانه والتزامه بشرع الله تعالى وصدقه وإخلاصه للإسلام أحبه النبي صلى الله عليه وسلم، وأصبحت تلك المحبة مقدمة عند النبي صلى الله عليه وسلم على غيره من الصحابة، فعن عمرو بن العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. فقلت من الرجال؟ قال: أبوها. قلت ثم من؟ قال عمر بن الخطاب فعد رجالاً. وبسبب هذا الإيمان العظيم والتزامه بشرع الله القويم ولجهوده التي بذلها لنصرة دين رب العالمين استحق بشارة رسول الله بالجنة وأنه يدعى من جميع أبوابها، فعن أبي موسى الأشعري أنه توضأ في بيته ثم خرج فقلت: لألزمن رسول الله ولأكونن معه يومي هذا. قال فجاء المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: خرج ووجه هنا، فخرجت على أثره أسأل عنه حتى دخل بئر أريس، فجلست عند الباب وباب من جريد حتى قضى رسول الله حاجته فتوضأ، فقمت إليه، فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر، فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت: لأكونن بواب رسول الله اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا فقال: أبو بكر. فقلت: على رسلك، ثم ذهبت فقلت: يارسول الله هذا أبو بكر يستأذن، فقال: ائذن له وبشره بالجنة، فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل ورسول الله يبشرك بالجنة. فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه .. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب الجنة: ياعبدالله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة. فقال أبو بكر ماعلى هذا يُدعى من تلك الأبواب من ضرورة، وقال: فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر.



2-علمه:


كان الصديق من أعلم الناس بالله وأخوفهم له، وقد اتفق أهل السنة على أن أبا بكر أعلم الأمة، وحكى الإجماع على ذلك غير واحد، وسبب تقدمه على كل الصحابة في العلم والفضل ملازمته للنبي e، فقد كان أدوم اجتماعاً به ليلاً ونهاراً، وسفراً وحضراً، وكان يسمر عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد العشاء، يتحدث معه في أمور المسلمين، دون غيره من أصحابه، وكان إذا استشار أصحابه أول من يتكلم أبو بكر في الشورى، وربما تكلم غيره، وربما لم يتكلم غيره، فيعمل برأيه وحده، فإذا خالفه غيره اتبع رأيه دون رأي من يخالفه، وقد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على أول حجة حجت من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وعلم المناسك أدق مافي العبادات، ولولا سعة علمه لم يستعمله، وكذلك الصلاة استخلفه عليها ولولا علمه لم يستخلفه ولم يستخلف غيره لا في حج ولا في صلاة، وكتاب الصدقة التي فرضها رسول الله أخذه أنس من أبي بكر وهو أصح ماروى فيها وعليه اعتمد الفقهاء وغيرهم في كتابة ماهو متقدم منسوخ، فدل على أنه أعلم بالسنة الناسخة، ولم يحفظ له قول يخالف فيه نصاً، وهذا يدل على غاية البراعة والعلم، وفي الجملة لايعرف لأبي بكر مسألة في الشريعة غلط فيها، وقد عرف لغيرة مسائل كثيرة)، وكان يقضي ويفتي بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ويقره، ولم تكن هذه المرتبة لغيرة وقد بينت ذلك في سلب أبي قتادة بحنين، وقد ظهر فضل علمه وتقدمه على غيره بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الأمة لم تختلف في ولايته في مسألة إلا فصلها هو بعلم يبينه لهم وحجة يذكرها لهم من الكتاب والسنة، وذلك لكمال علم الصديق وعدله، ومعرفته بالأدلة التي تزيل النزاع، وكان إذا أمرهم أطاعوه. كما بين لهم موت النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيتهم على الإيمان ثم بين لهم موضع دفنه، وبين لهم ميراثه، وبين لهم قتال مانعي الزكاة لما استراب فيه عمر، وبين لهم أن الخلافة في قريش، وتجهيز جيش أسامة، وبين لهم أن عبداً خيره الله بين الدنيا والآخرة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم له رؤيا تدل على علمه، فعن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت كأني أعطيت عُسّاً مملوءاً لبناً، فشربت منه حتى تملأت، فرأيتها تجري في عروقي بين الجلد واللحم، ففضلت منها فضلة، فأعطيتها أبا بكر. قالوا: يارسول الله، هذا علم أعطاكه الله حتى إذا تملأت منه، فضلت فضلة، فأعطيتها أبا بكر، فقال صلى الله عليه وسلم: قد أصبتم.

وكان الصديق يرى أن الرؤيا حق، وكان يجيد تأويلها وكان يقول إذا أصبح(من رأى رؤيا صالحة فليحدِّثنا بها وكان يقول لأن يرى رجل مسلم مسبغ الوضوء رؤيا صالحة أحب إلى من كذا وكذا، ومما عبره من الرؤى مايلي: عن ابن عباس أن رجلاً أتى رسول الله فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلَّة تنطف السمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر والمستقِلُّ، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فانقطع، ثم وُصِلَ، فقال أبو بكر: يارسول الله، بأبي أنت، والله لتدَعنِّي فأعبُرَها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اعْبُرْ. قال: أما الظُّلَّة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن، حلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن، والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه، تأخذ به فيُعليك الله، ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به، ثم يأخذ رجل آخر فيعلو به، فأخبرني يارسول الله، بأبي أنت، أصبت أم أخطأت؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال: فوالله لتحَدَثَنِّي بالذي أخطأت. قال: لاتُقسم وعن عائشة رضي الله عنها أنها رأت كأنه وقع في بيتها ثلاثة أقمار، فقصتها على أبي بكر- وكان من أعبر الناس فقال: إن صدقت رؤياك ليُدْفَنَنَّ في بيتك من خير أهل الأرض ثلاثة. فلما قبض النبي e قال ياعائشة هذا خيرُ أقمارك، فقد كان الصديق أعبر هذه الأمة بعد نبيها).

ومع كونه من أعلم الصحابة إلا أنه من أبعد الناس عن التكلف، فعن ابراهيم النخعي قال: قرأ أبو بكر الصديق {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} (سورة عبس: آية31) فقيل ماالأب: فقيل كذا وكذا فقال أبو بكر: إن هذا لهو التكلف، أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله مالا أعلم



3-دعاؤه وشدة تضرعه:


إن الدعاء باب عظيم، فإذا فتح للعبد تتابعت عليه الخيرات وانهالت عليه البركات، ولذلك حرص الصديق على حسن الصلة بالله وكثرة الدعاء، كما أن الدعاء من أعظم وأقوى عوامل النصر على الأعداء قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (سورة غافر، آية:60) . وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (سورة البقرة، آية:186).

ولقد لازم الصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأى كيف كان رسول الله يستغيث بالله ويستنصره ويطلب المدد منه وقد حرص الصديق على أن يتعلم هذه العبادة من رسول الله، وأن يكون دعاؤه وتسبيحه على الصيغة التي يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرتضيها، إذ ليس للمسلم أن يفضل على الصيغة المأثورة في الدعاء والتسبيح والصلاة على النبي صيغاً أخرى، مهما كانت في ظاهرها حسنة اللفظ، جيدة المعنى، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو معلم الخير، والهادي إلى الصراط المستقيم، وهو أعرف بالأفضل والأكمل، وقد جاء في الصحيحين: أن أبا بكر الصديق قال: يارسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولايغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.

ففي هذا الدعاء وصف العبد لنفسه المقتضى حاجته إلى المغفرة، وفيه وصف ربه الذي يوجب، أنه لايقدر على هذا المطلوب غيره، وفيه التصريح بسؤال العبد لمطلوبه، وفيه بيان المقتضى للإجابة، وهو وصف الرب بالمغفرة، والرحمة، فهذا ونحوه أكمل أنواع الطلب وجاء في السنن عن أبي بكر قال: يارسول الله، علمني دعاء أدعو به إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال: قل: اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، رب كل شيء ومليكه، أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن اقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم. قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك.

فقد تعلم الصديق من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ليس لأحد أن يظن استغناءه عن التوبة إلى الله والإستغفار من الذنوب، بل كل أحد محتاج إلى ذلك دائماً قال تعالى:

{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا`لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا`} (سورة الأحزاب، آية:72-73) فالإنسان ظالم جاهل وغاية المؤمنين والمؤمنات التوبة، وقد أخبر الله تعالى في كتابه بتوبة عباده الصالحين ومغفرته لهم. وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لن يدخل الجنة أحد بعلمه) قالوا: ولا أنت يارسول الله؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) وهذا لاينافي قوله تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} (سورة الحاقة، آية:24) فإن الرسول نفيى باء المقابلة والمعادلة والقرآن أثبت باء السبب، وقول من قال: إذا أحب الله عبداً لم تضره الذنوب، معناه: أنه إذا أحب عبداً ألهمه التوبة والاستغفار فلم يصر على الذنوب، ومن ظن أن الذنوب لاتضر من أصر عليها فهو ضال مخالف للكتاب والسنة، وإجماع السلف والأئمة، فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.

كان أبو بكر دائم الذكر لله تعالى شديد التضرع كثير التوجه لله، لاينفك عن الدعاء في كل أحيانه وقد نقل إلينا بعض أدعيته وتضرعاته ومنها:


أ-أسألك تمام النعمة في الأشياء كلها، والشكر لك عليها حتى ترضى، وبعد الرضى، والخيرة في جميع ما تكون إليه الخَيَرةُ، بجميع ميسور الأمور كلها، لا بمعسورها ياكريم.

ب- وكان يقول في دعائه: اللهم إني أسألك الذي هو خير لي في عاقبة الخير،اللهم اجعل آخر ما تعطيني من الخير رضوانك والدرجات العلا من جنات النعيم .

جـ-وكان يقول في دعائه: اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك.

د-وكان إذا سمع أحداً يمدحه من الناس يقول:(اللهم أنت أعلم بي من نفسي، وأنا أعلم بنفسي منهم، اللهم أجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي مالا يعلمون، ولاتؤاخذني بما يقولون).

هذه بعض أهم صفاته وشيء من فضائله مررنا عليها بالإيجاز وسوف نرى أثر التربية النبوية على الصديق بعد وفاته، وكيف قام مقاماً لم يقمه غيره بفضل الله وتوفيقه ثم تربيته العميقة وإيمانه العظيم وعلمه الراسخ وتتلمذه على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أحسن الجندية وقطع مراحلها وأشواطها برفقة قائده العظيم عليه أفضل الصلاة والسلام، فلما أصبح خليفة للأمة استطاع أن يقود سفينة الإسلام إلى شاطئ الأمان، رغم العواصف الشديدة، والأمواج المتلاطمة، والفتن المظلمة.






التوقيع :


شكرا ً دكتورة ميمة , تسلم يمينك

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]


تسلم يمين من سوت التوقيع



كن شامخاً في تواضعك ،،

ومتواضع في شموخك ،،

فتلك واحدة من صفات العظماء ..
  رد مع اقتباس
الـوسـام الافـتـراضـي 

المستوى: 34 [♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥♥ Bأ©-Yأھu ♥]
الحياة: 1250 / 1250

النشاط: 552 / 859
الخـبـرة: 35%

قديم 12-14-2008, 11:52 PM   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
Ray of Hope
Super Moderator
 
الصورة الرمزية Ray of Hope










Ray of Hope غير متواجد حالياً

اخر مواضيعي

إرسال رسالة عبر مراسل MSN إلى Ray of Hope

افتراضي


اللقاء الرابع من سيرة أبوبكرالصّدّيق رَضيَ اللهُ عَنْهُ

عناصر الموضوع :

1 - وفاة الرسول وسقيفة بني ساعدة

2 - البيعة العامة وإدارة الشؤون الداخلية





1- وفاة الرسول وسقيفة بني ساعدة



أولاً: وفاة الرسول:


إن الأرواح الشفافة الصافية لتدرك بعض مايكون مخبوءاً وراء حجب الغيب بقدرة الله تعالى، والقلوب الطاهرة المطمئنة لتحدِّث صاحبها بما عسى أن يحدث له فيما يستقبل من الزمان، والعقول الذكية المستنيرة بنور الإيمان لتدرك ماوراء الألفاظ والأحداث من إشارات وتلميحات ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من هذه الصفات الحظ الأوفر، وهو منها بالمحل الأرفع الذي لايسامى ولا يطاول ولقد جاءت بعض الآيات القرآنية مؤكدة على حقيقة بشرية النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كغيره من البشر سوف يذوق الموت ويعاني سكراته كما ذاقه من قبل إخوانه من الأنبياء ولقد فهم صلى الله عليه وسلم من بعض الآيات اقتراب أجله، وقد أشار صلى الله عليه وسلم في طائفة من الأحاديث الصحيحة إلى اقتراب وفاته، منها ماهو صريح الدلالة على الوفاة ومنها ماليس كذلك، حيث لم يشعر ذلك منها إلا الآحاد من كبار الصحابة الأجلاء كأبي بكر والعباس ومعاذ رضي الله عنهم.




1-مرض رسول الله وبدء الشكوى:



رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في ذي الحجة، فأقام بالمدينة بقيته والمحرم وصفراً، من العام العاشر فبدأ بتجهيز جيش أسامة وأمرّ عليهم أسامة بن زيد بن حارثة، وأمره أن يتوجه نحو البلقاء وفلسطين، فتجهز الناس وفيهم المهاجرون والأنصار وكان أسامة بن زيد ابن ثماني عشرة سنة، وتكلم البعض في تأميره وهو مولى وصغير السن على كبار المهاجرين والأنصار فلم يقبل الرسول صلى الله عليه وسلم طعنهم في إمارة أسامة، فقال صلى الله عليه وسلم : إن يطعنوا في إمارته فقد طعنوا في إمارة أبيه وأيم الله إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان من أحبَّ الناس إليَّ وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إلي بعده، وبينما الناس يستعدون للجهاد في جيش أسامة ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم شكواه الذي قبضه فيه، وقد حدثت حوادث مابين مرضه ووفاته منها: زيارته قتلى أحد وصلاته عليهم، واستئذانه أن يمرض في بيت عائشة وشدة المرض الذي نزل به، وأوصى صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين من جزيرة العرب وإجازة الوفد، ونهى عن اتخاذ قبره مسجداً، وأوصى بإحسان الظن بالله، وأوصى بالصلاة وماملكت أيمانكم، وبين بأنه لم يبقى من مبشرات النبوة إلا الرؤيا، وأوصى بالأنصار خيراً، وخطب صلى الله عليه وسلم في أيام مرضه فقال: إن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ماعند الله فاختار ذلك العبد ماعند الله. فبكى أبو بكر فقال أبو سعيد الخدري : فعجبنا لبكائه أن يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن عبد خير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر وكان أبو بكر أعلمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإسلام ومودته، لايبقين في المسجد باب إلا سُدَّ إلا باب أبي بكر.

قال الحافظ ابن حجر: وكأن أبا بكر فهم الرمز الذي أشار به النبي صلى الله عليه وسلم من قرينة ذكره ذلك في مرض موته فاستشعر منه أنه أراد نفسه فلذلك بكى ولما اشتد المرض بالنبي صلى الله عليه وسلم وحضرته الصلاة فأذن بلال قال النبي صلى الله عليه وسلم مروا أبا بكر فليصلّ، فقيل: إن أبا بكر رجل أسيف، إذا قام مقامك لم يستطيع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: أنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس، فخرج أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفَّة فخرج يهادي بين رجلين، كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك ثم أتى به حتى جلس إلى جنبه. قيل للأعمش: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته، والناس يصلون بصلاة أبي بكر! فقال برأسه: نعم. واستمر أبو بكر يصلي بالمسلمين، حتى إذا كان يوم الإثنين، وهم صفوف في صلاة الفجر، كشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة، ينظر إلى المسلمين، وهم وقوف أمام ربهم، ورأى كيف أثمر غرس دعوته وجهاده، وكيف نشأت أمة تحافظ على الصلاة، وتواظب عليها بحضرة نبيها وغيبته، وقد قرت عينه بهذا المنظر البهيج، وبهذا النجاح الذي لم يقدر لنبي أو داع قبله، واطمأن أن صلة هذه الأمة بهذا الدين وعبادة الله تعالى، صلة دائمة، لاتقطعها وفاة نبيها، فملئ من السرور ماالله به عليم واستنار وجهه وهو منير، يقول الصحابة رضي الله عنهم: كشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر حجرة عائشة ينظر إلينا وهو قائم، كأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح، وظننا أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا أن أتموا صلاتكم، ودخل الحجرة، وأرخى الستر، وانصرف بعض الصحابة إلى أعمالهم، ودخل أبو بكر على ابنته عائشة وقال: ما أرى رسول الله إلا قد أقلع عنه الوجع، وهذا يوم بنت خارجة- أحدى زوجتيه - وكانت تسكن بالسُّنح فركب على فرسه وذهب إلى منزله.

واشتدت سكرات الموت بالنبي صلى الله عليه وسلم ودخل عليه أسامة بن زيد وقد صمت فلا يقدر على الكلام، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة، فعرف أنه يدعو له، وأخذت السيدة عائشة رسول الله وأوسدته إلى صدرها بين سحرها، ونحرها، فدخل عبدالرحمن بن أبي بكر وبيده سواك، فجعل رسول الله ينظر إليه، فقالت عائشة: آخذه لك، فأشار برأسه نعم، فأخذته من أخيها ثم مضغته ولينته وناولته إياه فاستاك به كأحسن مايكون الاستياك وكل ذلك وهو لاينفك عن قوله: في الرفيق الأعلى، وكان صلى الله عليه وسلم بجانبه ركوة ماء أو علبة فيها ماء، فيمسح بها وجهه ويقول: لا إله إلا الله .. إن للموت سكرات ثم نصب يده فجعل يقول في الرفيق الأعلى .. حتى قبض ومالت يده، وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم أعني على سكرات الموت.

وفي رواية: أن عائشة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند الظهر يقول: اللهم اغفر لي، وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى.

وقد ورد أن فاطمة رضي الله عنها قالت: واكرب أباه. فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم، فلما مات قالت: يا أبتاه .. أجاب الله دعاه، يا أبتاه .. جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه .. إلى جبريل ننعاه فلما دفن e قالت لأنس كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله التراب.

فارق رسول الله الدنيا وهو يحكم جزيرة العرب ويرهبه ملوك الدنيا، ويفديه أصحابه بنفوسهم وأولادهم وأموالهم، وماترك عند موته ديناراً ولادرهماً، ولاعبداً، ولا أمة، ولاشيئاً، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه وأرضا جعلها صدقة وتوفي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير، وكان ذلك يوم الاثنين 12 ربيع الأول سنة 11هـ للهجرة بعد الزوال، وله ثلاث وستون سنة، وكان أشد الأيام سواداً ووحشة ومصاباً على المسلمين، ومحنة كبرى للبشرية، كما كان يوم ولدته أسعد يوم طلعت فيه الشمسيقول أنس : كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أضاء منها كل شيء، فلما كان الذي مات فيه أظلم منها كل شيء وبكت أم أيمن فقيل لها مايبكيك على النبي قالت: إني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيموت ولكن إنما أبكي على الوحي الذي رفع عنا.




ثانياً: هول الفاجعة وموقف أبي بكر منها:



قال ابن رجب: ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطرب المسلمون، فمنهم من دُهش فخولط ومنهم من أقعد فلم يُطق القيام، ومنهم من أعتُقل لسانه فلم يطق الكلام، ومنهم من أنكر موته بالكلية.

قال القرطبي مبيناً عظم هذه المصيبة وماترتب عليها من أمور: من أعظم المصائب المصيبة في الدين .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها أعظم المصائب، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المصيبة به أعظم من كل مصيبة يصاب بها المسلم بعده إلى يوم القيامة، انقطع الوحي، وماتت النبوة، وكان أول ظهور الشر بارتداد العرب وغير ذلك، وكان أول انقطاع الخير وأول نقصانه

وقال ابن اسحاق: ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين، فكانت عائشة فيما بلغني تقول: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية، والنصرانية ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ... واضطربت الحال .. فكان موت النبي صلى الله عليه وسلم قاصمة الظهر، ومصيبة العمر، فأما علي فاستخفى في بيت فاطمة، وأما عثمان فسكت، وأما عمر فأهجر وقال: مامات رسول الله وإنما واعده ربه كما واعد موسى، وليرجعن رسول الله، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ولما سمع أبو بكر الخبر أقبل على فرس من مسكنه بالسُّنح، حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلّم الناس، حتى دخل على عائشة فتيمّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُغشّى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكبَّ عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لايجمع الله عليك موتتين، أما الموتة التي عليك فقد متها، وخرج أبو بكر وعمر يتكلم فقال: اجلس ياعمر، وهو ماضي في كلامه، وفي ثورة غضبه، فقام أبو بكر في الناس خطيباً بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

أما بعد: فإن من كان يعبد محمد فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت، ثم تلا هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} (سورة آل عمران، آية:144). فنشج الناس يبكون([41]).

قال عمر: فوالله ما إن سمعت أبا بكر تلاها فهويت إلى الأرض ماتحملني قدماي، وعلمت أن رسول الله قد مات قال القرطبي: هذه الآية أدل دليل على شجاعة الصديق وجراءته، فإن الشجاعة والجرأة حدُّهما ثبوت القلب عند حلول المصائب، ولامصيبة أعظم من موت النبي صلى الله عليه وسلم فظهرت شجاعته وعلمه، قال الناس: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وخرس عثمان، واستخفى علي، واضطرب الأمر، فكشفه الصديق بهذه الآية حين قدومه من مسكنه بالسُّنح

وبهذه الكلمات القلائل، واستشهاد الصديق بالقرآن الكريم خرج الناس من ذهولهم وحيرتهم ورجعوا إلى الفهم الصحيح رجوعاً جميلاً، فالله هو الحي وحده الذي لايموت، وأنه وحده الذي يستحق العبادة، وأن الإسلام باق بعد موت محمد صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في رواية من قول الصديق: إن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامة وإن الله ناصر من نصره، ومعز دينه، وإن كتاب الله بين اظهرنا، وهو النور والشفاء وبه هدا الله محمد صلى الله عليه وسلم وفيه حلال الله وحرامه، والله لانبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة ماوضعناها بعد، ولنجاهدنَّ من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله فلا يبغين أحد إلا على نفسه.

كان موت محمد صلى الله عليه وسلم مصيبة عظيمة، ابتلاءاً شديداً، ومن خلاها وبعدها ظهرت شخصية الصديق كقائد للأمة فذ لانظير له ولامثيل، فقد أشرق اليقين في قلبه وتجلى ذلك في رسوخ الحقائق فيه فعرف حقيقة العبودية، والنبوة، والموت، وفي ذلك الموقف العصيب ظهرت حكمته فانحاز بالناس إلى التوحيد (من كان يعبد الله فإن الله حي لايموت) ومازال التوحيد في قلوبهم غضاً طرياً، فما أن سمعوا تذكير الصديق لهم حتى رجعوا إلى الحق تقول عائشة رضي الله عنها فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر فتلقاها منه الناس، فما يسمع بشر إلا يتلوها




ثالثاً: سقيفة بني ساعدة:



لما علم الصحابة رضي الله عنهم بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة في اليوم نفسه وهو يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشر للهجرة، وتداولوا الأمر بينهم في اختيار من يلي الخلافة من بعده.

والتف الأنصار حول زعيم الخزرج سعد بن عبادة ولما بلغ خبر اجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة إلى المهاجرين وهم مجتمعون مع أبي بكر الصديق t لترشيح من يتولى الخلافة، قال المهاجرون لبعضهم: انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار، فإن لهم في هذا الحق نصيباً، قال عمر : فانطلقنا نريدهم، فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان، فذكر ماتمالأ عليه القوم. فقالا: أين تريدون يامعشر المهاجرين؟ قلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لاعليكم أن لاتقربوهم، اقضوا أمركم. فقلت: والله لنأتينَّهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجل مزمِّلُ بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ماله؟ قالوا: يُوعَك. فلما جلسنا قليلاً تشهَّد خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام وأنتم -معشر المهاجرين- رهط، وقد دفت دافة من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا وأن يحضنونا من الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلم- وكنت قد زوَّرتُ مقالة أعجبتني أريد أن أقدّمها بين يدي أبي بكر- وكنت أداري منه بعض الحدِّ، فلما أردت أن أتكلم قال أبو بكر: على رسلك. فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني وأوقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها حتى سكت. فقال: ماذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يُعرف هذا الأمر إلا لهذا الحيِّ من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً. وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا أيهما شئتم -فأخذ بيدي ويد أبي عُبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا- فلم أكره مما قال غيرها، والله أن أقدّم فتضرب عنقي لايُقرِّبني ذلك من إثم أحب إليَّ من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تُسَوِّل إليَّ نفسي عند الموت شيئاً لاأجده الآن.

فقال قائل من الأنصار: أنا جُذيلها المحكَّك، وعُذيقُها المرجَّب، منا أمير ومنكم أمير يامعشر قريش، فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعته الأنصار.

وفي رواية أحمد:... فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار ولاذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره، وقال: ولقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار، ولقد علمت ياسعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر فَبَرُّ الناس تبع لبّرِّهم، وفاجر الناس تبع لفاجرهم، قال فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء .




رابعاً: أهم الدروس والعبر والفوائد في هذه الحادثة:




1-الصديق وتعامله مع النفوس وقدرته على الإقناع:



من رواية الإمام أحمد يتضح لنا كيف استطاع الصديق أبو بكر أن يدخل إلى نفوس الأنصار فيقنعهم بما رآه هو الحق من غير أن يُعرِّض المسلمين للفتنة، فأثنى على الأنصار ببيان ماجاء في فضلهم من الكتاب والسنة، والثناء على المخالف منهج إسلامي يقصد منه إنصاف المخالف وامتصاص غضبه وانتزاع بواعث الأثرة والأنانية في نفسه ليكون مهيّأ لقبول الحق إذا تبين له، وقد كان في هدي النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأمثلة التي تدل على ذلك ثم توصل أبو بكر من ذلك إلى أن فضلهم وإن كان كبيراً لايعني أحقيتهم في الخلافة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص على أن المهاجرين من قريش هم المقدِّمون في هذا الأمر، وقد ذكر ابن العربي المالكي أن أبا بكر استدل على أن أمر الخلافة في قريش بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأنصار خيراً، وأن يقبلوا من محسنهم ويتجاوزا عن مسيئهم، احتج به أبو بكر على الأنصار قوله: إن الله سمانا (الصادقين) وسمّاكم (المفلحين) إشارة إلى قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ`وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ`} (سورة الحشر، آية:8-9). وقد أمركم أن تكونوا معنا حيثما كنا فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (سورة التوبة، آية:119). إلى غير ذلك من الأقوال المصيبة والأدلة القوية. فتذكرت الأنصار ذلك وانقادت إليه، وبين الصديق في خطابه أن من مؤهلات القوم الذين يرشحون للخلافة أن يكونوا ممن يدين لهم العرب بالسيادة وتستقر بهم الأمور، حتى لاتحدث الفتن فيما إذا تولى غيرهم، وأبان أن العرب لايعترفون بالسيادة إلا للمسلمين من قريش لكون النبي صلى الله عليه وسلم منهم ولما استقر في اذهان العرب من تعظيمهم واحترامهم.

وبهذه الكلمات النيرة التي قالها الصديق اقتنع الأنصار بأن يكونوا وزراء مُعينين وجنوداً مخلصين كما كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك توحد صف المسلمين.



2-زهد عمر وأبي بكر رضي الله عنهما في الخلافة وحرص الجميع على وحدة الأمة:


بعد أن تمّ أبو بكر حديثه في السقيفة قدّم عمر وأبا عبيدة للخلافة، ولكن عمر كره ذلك وقال فيما بعد: فلم أكره مما قال غيرها. كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لايقرِّبني ذلك من إثم أحب إلي من أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكر.

وبهذه القناعة من عمر بأحقية أبي بكر بالخلافة قال له: أبسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، قال: فبايعته وبايعه المهاجرون والأنصار وجاء في رواية قال عمر: .. يامعشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله قد أمر أبا بكر أن يؤمَّ الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر

وهذا ملحظ مهم وُفِّق إليه عمر t، وقد اهتم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته فأصرّ على إمامة أبي بكر، وهو من باب الإثارة بأنه أحق من غيره بالخلافة وكلام عمر في غاية الأدب والتواضع والتجرد من حظ النفس، ولقد ظهر زهد أبي بكر في الإمارة في خطبته التي اعتذر فيها من قبول الخلافة حيث قال: والله ماكنت حريصاً على الإمارة يوما ولاليلة قط ولاكنت فيها راغباً ولاسألتها الله عزوجل في سرّ وعلانية، ولكني أشفقت من الفتنة، ومالي في الإمارة من راحة ولكن قلدت أمراً عظيماً مالي به من طاقة ولايد إلا بتقوية الله عزوجل، ولوددت أن أقوى الناس عليها مكاني.


وقد ثبت أنه قال: وددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين، أبي عبيدة أو عمر فكان أمير المؤمنين وكنت وزيراً، وقد تكررت خطب أبي بكر في الاعتذار عن تولي الخلافة وطلبه بالتنحي عنها. فقد قال: ... أيها الناس هذا أمركم إليكم تولوا من أحببتم على ذلك وأكون كأحدكم فأجابه الناس رضينا بك قسماً وحظاً وأنت ثاني اثنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قام باستبراء نفوس المسلمين من أي معارضة لخلافته واستحلفهم على ذلك فقال: أيها الناس أذكر الله أيما رجل ندم على بيعتي لما قام على رجليه، فقال علي بن أبي طالب، ومعه السيف، فدنا منه حتى وضع رِجلاً على عتبة المنبر والأخرى على الحصى وقال: والله لانقيلك ولانستقيلك قدّمك رسول الله فمن ذا يؤخرك، ولم يكن أبو بكر وحده الزاهد في أمر الخلافة والمسؤولية بل إنها روح العصر. ومن هذه النصوص التي تمّ ذكرها يمكن القول: إن الحوار الذي دار في سقيفة بني ساعدة لايخرج عن هذا الاتجاه، بل يؤكد حرص الأنصار على مستقبل الدعوة الإسلامية واستعدادهم المستمر للتضحية في سبيلها، فما اطمأنوا على ذلك حتى استجابوا سراعاً لبيعة أبي بكر الذي قبل البيعة لهذه الأسباب، وإلا فإن نظرة الصحابة مخالفة لرؤية الكثير مما جاء بعدهم ممن خالفوا المنهج العلمي، والدراسة الموضوعية، بل كانت دراستهم متناقضة مع روح ذلك العصر، وآمال وتطلعات أصحاب رسول الله من الأنصار وغيرهم، وإذا كان اجتماع السقيفة أدى إلى انشقاق بين المهاجرين والأنصار كما زعمه بعضهم، فكيف قبل الأنصار بتلك النتيجة وهم أهل الديار وأهل العدد والعدة؟ وكيف انقادوا لخلافة أبي بكر ونفروا في جيوش الخلافة شرقاً وغرباً مجاهدين لتثبيت أركانها؟ لو لم يكونوا متحمسين لنصرتها.

فالصواب اتضح من حرص الأنصار على تنفيذ سياسة الخلافة والاندفاع لمواجهة المرتدين، وأنه لم يتخلف أحد من الأنصار عن بيعة أبي بكر فضلاً عن غيرهم من المسلمين وأن أخوة المهاجرين والأنصار أكبر من تخيلات الذين سطروا الخلاف بينهم في رواياتهم المغرضة.




3-سعد بن عبادة وموقفه من خلافة الصديق:



إن سعد بن عبادة t قد بايع أبا بكر بالخلافة في أعقاب النقاش الذي دار في سقيفة بني ساعدة إذ أنه نزل عن مقامه الأول في دعوى الإمارة وأذعن للصديق بالخلافة، وكان ابن عمه بشير بن سعد الأنصاري أول من بايع الصديق رضي الله عنهم في اجتماع السقيفة ولم يثبت النقل الصحيح أية أزمات، لابسيطة ولاخطيرة ولم يثبت أي انقسام أو فرق لكل منها مرشح يطمع في الخلافة كما زعم بعض كتاب التاريخ، ولكن الأخوة الإسلامية ظلت كما هي، بل ازدادت توثقاً كما يثبت ذلك النقل الصحيح، ولم يثبت النقل الصحيح تآمراً حدث بين أبي بكر وعمر وأبي عبيدة لاحتكار الحكم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فهم كانوا أخشى لله وأتقى من أن يفعلوا ذلك.

وقد حاول بعض الكتّاب من المؤرخين أصحاب الأهواء أن يجعلوا من سعد بن عبادة منافساً للمهاجرين يسعى للخلافة بشره، ويدبر لها المؤامرات، ويستعمل في الوصول إليها كل أساليب التفرقة بين المسلمين. هذا الرجل- إذا راجعنا تاريخه وتتبعنا مسلكه، وجدنا مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم تجعله من الصفوة الأخيار، الذين لم تكن الدنيا أكبر همهم، ولامبلغ علمهم، فهو النقيب في بيعة العقبة الثانية حتى لجأت قريش إلى تعقبه قرب مكة وربطوا يديه إلى عنقه وأدخلوه مكة أسير حتى أنقذه منهم جبير بن مطعم بن عدي حيث كان يجيرهم في المدينة وهو من الذين شهدوا بدراً وحظى بمقام أهل بدر ومنزلتهم عند الله، وكان من بيت جود وكرم وشهد له ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمد عليه -بعد الله- وعلى سعد بن معاذ كما في غزوة الخندق عندما استشارهم في إعطاء ثلث ثمار المدينة لعيينة بن حصن الفزاري، فكان رد السعدين يدل على عمق الإيمان وكمال التضحية، فمواقف سعد مشهورة ومعلومة، فهذا الصحابي الجليل صاحب الماضي المجيد في خدمة الإسلام والصحبة الصادقة لرسول الله لايعقل ولم يثبت أنه كان يريد أن يحي العصبية الجاهلية في مؤتمر السقيفة لكي يحصل في غمار هذه الفرقة على منصب الخلافة، كما أنه لم يثبت ولم يصح ماورد في بعض المراجع من أنه -بعد بيعة أبي بكر- كان لايصلي بصلاتهم ولايفيض في الحج بإفاضتهم كأنما انفصل سعد بن عبادة عن جماعة المسلمين، فهذا باطل ومحض افتراء، فقد ثبت من خلال الروايات الصحيحة أن سعداً بايع أبا بكر، فعندما تكلم أبو بكر يوم السقيفة، فذكر فضل الأنصار وقال: ولقد علمتم أن رسول الله قال: لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار ثم ذكرّ سعد بن عبادة بقول فصل وحجة لاترد فقال: ولقد علمت ياسعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأنت قاعد: قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم قال سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء، فتتابع القوم على البيعة وبايع سعد، وبهذا تثبت بيعة سعد بن عبادة، وبها يتحقق إجماع الأنصار على بيعة الخليفة أبي بكر، ولايعود أي معنى للترويج لرواية باطلة، بل سيكون ذلك مناقضاً للواقع واتهاماً خطيراً، أن ينسب لسيد الأنصار العمل على شق عصا المسلمين، والتنكر لكل ماقدمه من نصرة وجهاد وإيثار للمهاجرين، والطعن بإسلامه من خلال ماينسب إليه من قول: لا أبايعكم حتى أرميكم بما في كنانتي، وأخضب سنان رمحي، وأضرب بسيفي، فكان لايصلي بصلاتهم ولايجمع بجماعتهم ولايقضي بفضائهم ولايفيض بإفاضتهم أي في الحج.

إن هذه الرواية التي استغلت للطعن بوحدة المهاجرين والأنصار وصدق أخوتهم ماهي إلا رواية باطلة للأسباب التالية:

أن الراوي صاحب هوى وهو (إخباري تالف لايوثق به) ولاسيما في المسائل الخلافية.

قال الذهبي عن هذه الرواية واسنادها كما ترى، أي في غاية الضعف أما متنها فهو يناقض سيرة سعد بن عبادة: ومافي عنقه من بيعة على السمع والطاعة، ولما روي عنه من فضائل.



4-مايروى من خلاف بين عمر والحباب بن المنذر:



أما مايروى عن تنازع في السقيفة بين عمر وبين الحباب بن المنذر السلمي الأنصاري، فالراجح أنه غير صحيح، وأن عمر لم يُغضب الحباب بن المنذر منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روى عن عمر قال: فلما كان الحباب بن المنذر هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام، لأنه كان بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله فنهاني عنه فحلفت أن لاأكلمه كلمة تسؤوه أبداً.

كما أن مايروى عن الحباب في هذه المنازعة مخالف لما عُهد عنه من حكمة، ومن حسن تأتيه للأمور، إذ كان يلقب (بذي الرأي) في عهد رسول الله وذلك لقبول مشورته في بدر وخيبر، وأما قول الحباب بن المنذر: منا أمير ومنكم أمير، فقد سوغ ذلك وأوضح أنه لايقصد بذلك الوصول إلى الإمارة، فقال: فإنا والله ماننفس عليكم هذا الأمر ولكنا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوانهم، فقبل المهاجرون قوله وأقروا عذره ولاسيما أنهم شركاء في دماء من قتل من المشركين.



5-حديث الأئمة من قريش وموقف الأنصار منه:



ورد حديث الأئمة من قريش في الصحيحين، وكتب الحديث الأخرى، بألفاظ متعددة، ففي صحيح البخاري عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا الأمر في قريش لايعاديهم أحد إلا أكبه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين وفي صحيح مسلم لايزال الإسلام عزيزاً بخلفاء كلهم من قريش وعن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لايزال هذا الأمر في قريش مابقي منهم اثنان، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم وعن بكير بن وهب الجزري قال: قال لي أنس بن مالك الأنصاري: أحدثك حديثاً ما أحدثه كل أحد، كنا في بيت من الأنصار فجاء النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقف فأخذ بعضادتي الباب، فقال: الأئمة من قريش إن لهم عليكم حقاً، ولكم عليهم حقا مثل ذلك، ما إن استرحموا فرحموا وإن عاهدوا أوفوا وإن حكموا عدلوا وفي فتح الباري أورد ابن حجر أحاديث كثيرة تحت باب الأمراء من قريش أسندها إلى كتب السنن والمسانيد والمصنفات، فالأحاديث في هذا الباب كثيرة لايكاد يخلوا منها كتاب من كتب الحديث، وقد رويت بألفاظ متعددة، إلا أنها متقاربة تؤكد جميعها أن الإمرة المشروعة في قريش، ويقصد بالإمرة الخلافة فقط أما ماسوى ذلك فتساوى فيه جميع المسلمين، وبمثل ما أوضحت الأحاديث النبوية الشريفة أن أمر الخلافة في قريش فإنها حذرت من الإنقياد الأعمى لهم، وأن هذا الأمر فيهم ما أقاموا الدين كما سلف في حديث معاوية وكما جاء في حديث أنس: إن استرحموا فرحموا، وإن عاهدوا أوفوا، وإن حكموا عدلوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وبهذا حذرت الأحاديث من اتباع قريش إن زاغوا عن الحكم بما أنزل الله فإن لم يمتثلوا ويطبقوا مثل هذه الشروط، فإنهم سيصبحون خطراً على الأمة وحذرت الأحاديث الشريفة من اتباعهم على غير ما أنزل الله ودعت إلى اجتنابهم والبعد عنهم واعتزالهم، لما سيترتب على مؤازرتهم آنذاك من مخاطر على مصير الأمة قال صلى الله عليه وسلم : إن هلاك أمتي أو فساد أمتي رؤوس أغيلمة سفهاء من قريش، وعندما سئل صلى الله عليه وسلم : فما تأمرنا قال صلى الله عليه وسلم : لو أن الناس اعتزلوهم.

ومن هذه النصوص تتضح الصورة لمسألة الأئمة من قريش، وأن الأنصار انقادوا لقريش ضمن هذه الضوابط وعلى هذه الأسس، وهذا ما أكدوه في بيعاتهم لرسول الله على السمع والطاعة، والصبر على الأثرة، وأن لاينازعوا الأمر أهله، إلا أن يروا كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان، فقد كان للأنصار تصور تام عن مسألة الخلافة، وأنها لم تكن مجهولة عندهم، وأن حديث الأئمة من قريش كان يرويه كثير منهم، وأن الذين لايعلمونه سكتوا عندما رواه لهم أبو بكر الصديق ولهذا لم يراجعه أحد من الأنصار عندما استشهد به، فأمر الخلافة تم بالتشاور والاحتكام إلى النصوص الشرعية والعقلية التي أثبتت أحقية قريش بها، ولم يسمع عن أحد من الأنصار بعد بيعة السقيفة أنه دعا نفسه بالخلافة، مما يؤكد اقتناع الأنصار وتصديقهم لما تمّ التوصل إليه من نتائج، وبهذا يتهافت ويسقط قول من قال أن حديث الأئمة من قريش شعار رفعته قريش لاستلاب الخلافة من الأنصار أو أنه: رأي لأبي بكر وليس حديثاً رواه عن الرسول، وإنما كان فكراً سياسياً قرشياً، كان شائعاً في ذلك العصر يعكس ثقل قريش في المجتمع العربي في ذلك الحين، وعلى هذا فإن نسبة هذه الأحاديث إلى أبي بكر وأنها شعار لقريش، ماهي إلا صورة من صورة التشويه التي يتعرض لها تاريخ العصر الراشدي وصدر الإسلام الذي قام أساساً على جهود المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان، وعلى روابط الأخوة المتينة بين المهاجرين والأنصار حتى قال فيهم أبو بكر نحن والأنصار كما قال القائل:

أبو أن يملونا ولو أن أمنا تلاقي الذين يلقون منا لملت

6-الآيات القرآنية التي فيها إشارة إلى خلافة الصديق:

وردت آيات في كتاب الله عزوجل فيها الإشارة إلى أن أبا بكر الصديق t أحق الناس في هذه الأمة بخلافة سيد الأولين والآخرين وتلك الآيات هي:

أ-قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ`صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ`} (سورة الفاتحة، آية:6-7). ووجه الدلالة أن أبا بكر فيمن أمر الله -جلاوعلا- عباده أن يسألوه أن يهديهم طريقهم وأن يسلك بهم سبيلهم وهم الذين أنعم الله عليهم وذكر منهم الصديقين في قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (سورة النساء، آية:69). وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر من الصديقين، فدل ذلك على أنه واحد منهم بل هو المقدم فيهم ولما كان أبو بكر ممن طريقهم هو الصراط المستقيم فلا يبقى أي شك لدى العاقل في أنه أحق خلق الله في هذه الأمة بخلافة المصطفى صلى الله عليه وسلم قال محمد بن عمر الرازي: قوله:{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ`صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ`} يدل على إمامة أبي بكر لأنا ذكرنا أن تقدير الآية: اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم والله تعالى قد بين في آية أخرى أن الذين أنعم الله عليهم من هم؟ فقال: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} الآية ولاشك أن رأس الصديقين ورئيسهم أبو بكر الصديق فكان معنى الآية أن الله أمرنا أن نطلب الهداية التي كان عليها أبو بكر الصديق وسائر الصديقين ولو كان أبو بكر ظالاً لما جاز الاقتداء به فثبت بما ذكرناه دلالة هذه الآية على إمامة أبي بكر .

وقال محمد الأمين الشنقيطي: يؤخذ من هذه الآية الكريمة صحة إمامة أبي بكر الصديق لأنه داخل فيمن أمرنا الله في السبع المثاني والقرآن العظيم

-أعني الفاتحة- بأن نسأله أن يهدينا صراطهم فدل على أن صراطهم هو الصراط المستقيم وذلك في قوله تعالى{اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم} وقد بين الذين أنعم عليهم فعد منهم الصديقين وقد بين صلى الله عليه وسلم أن أبا بكر من الصديقين فاتضح أنه داخل في الذين أنعم الله عليهم الذين أمرنا الله أن نسأله الهداية إلى صراطهم فلم يبق لبس في أن أبا بكر الصديق على الصراط المستقيم وإن إمامته حق.

ب-قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (سورة المائدة، آية:54).

هذه الصفات المذكورة في هذه الآية الكريمة أول من تنطبق عليه أبو بكر الصديق وجيوشه من الصحابة الذين قاتلوا المرتدين فقد مدحهم الله بأكمل الصفات ووجه دلالة الآية على خلافة الصديق أنه (كان في علم الله سبحانه وتعالى مايكون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ارتداد قوم فوعد سبحانه -ووعده صدق- أنه يأتي بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم، فلما وجد ماكان في علمه من ارتداد من ارتد بعد وفاة رسول الله وجد تصديق وعده بقيام أبي بكر الصديق بقتالهم فجاهد بمن أطاعه من الصحابة من عصاه من الأعراب، ولم يخف في الله لومة لائم حتى ظهر الحق وزهق الباطل وصار تصديق وعده بعد وفاة رسوله صلى الله عليه وسلم آية للعالمين ودلالة على صحة خلافة الصديق

جـ-قال تعالى: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (سورة التوبة، آية:40).

قال أبو عبدالله القرطبي: قال بعض العلماء في قوله تعالى:{ثاني اثنين إذ هما في الغار} مايدل على أن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق لأن الخليفة لايكون أبداً إلا ثانياً وسمعت شيخنا أبا العباس أحمد بن عمر يقول: إنما استحق أن يقال ثاني اثنين لقيامه بعد النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر كقيام النبي صلى الله عليه وسلم به أولاً، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ارتدت العرب كلها ولم يبقى الإسلام إلا بالمدينة وجواثا، فقام أبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ويقاتلهم على الدخول في الدين كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فاستحق من هذه الجهة أن يقال في حقه ثاني اثنين

ح- قال تعالى : {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (سورة التوبة، آية:100) الآية ووجه دلالة الآية على أحقية الصديق بالإمامة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أن الهجرة فعل شاق على النفس ومخالف للطبع فمن أقدم عليه أولاً صار قدوة لغيره في هذه الطاعة وكان ذلك مقوياً لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام وسبباً لزوال الوحشة عن خاطره وكذلك السبق في النصرة فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما قدم المدينة فلاشك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة فازوا بمنصب عظيم وإذا ثبت هذا فإن أسبق الناس إلى الهجرة أبو بكر الصديق فإنه كان في خدمة المصطفى عليه الصلاة والسلام وكان مصاحباً له في كل مسكن وموضع فكان نصيبه من هذا المنصب أعلى من نصيب غيره وإذا ثبت هذا صار محكوماً عليه بأنه رضي الله عنه ورضي هو عن الله وذلك في أعلى الدرجات من الفضل، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون إماماً حقاً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت هذه الآية من أدل الدلائل على فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وعلى صحة إمامتهما.

خ- قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (سورة النور، آية:55).

هذه الآية منطبقة على خلافة الصديق وعلى خلافة الثلاثة بعده فلما وجدت هذه الصفة من الاستخلاف والتمكين في أمر أبي بكر وعمر وعثمان وعلي دل ذلك على أن خلافتهم حق، وقال الحافظ بن كثير: وقال بعض السلف خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حق في كتاب الله ثم تلا هذه الآية

د-قال تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (سورة الفتح، آية:16) قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله تعالى:(وقد دل على إمامة أبي بكر في سورة براءة فقال للقاعدين عن نصرة نبيه عليه السلام والمتخلفين عن الخروج معه : {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} (سورة التوبة، آية:83). وقال في سورة أخرى: {سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} يعني الى قوله: {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا} ثم قال الله تعالى {كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا} وقال تعالى: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا} -يعني تعرضوا عن إجابة الداعي لكم الى قتالكم- كما {تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (سورة الفتح، آيتان: 15-16). والداعي لهم إلى ذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم قال الله -عزوجل- له {فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} وقال في سورة الفتح: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} فمنعهم عن الخروج مع نبيه عليه السلام وجعل خروجهم معه تبديلاً لكلامه فوجب بذلك أن الداعي الذي يدعوهم إلى القتال داع يدعوهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد قال مجاهد في قوله: {أُولِي بَأْسٍ شَدِيد}. هم فارس والروم وبه قال الحسن البصري. قال عطاء: هم فارس وهو أحد قولي ابن عباس وفي رواية أخرى عنه أنهم بنو حنيفة يوم اليمامة فإن كانوا أهل اليمامة فقد قوتلوا في أيام أبي بكر: وهو الداعي إلى قتال مسيلمة وبني حنيفة من أهل اليمامة، وإن كانوا أهل فارس والروم، فقد قوتلوا في أيام أبي بكر وقاتلهم عمر من بعده وفرغ منهم وإذا وجبت إمامة عمر وجبت إمامة أبي بكر كما وجبت إمامة عمر لأنه العاقد له الإمامة فقد دل القرآن على إمامة الصديق والفاروق رضي الله عنهما، وإذا وجبت إمامة أبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب أنه أفضل المسلمين .

هـ- قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (سورة الحشر، الآية: 8).

وجه دلالة هذه الآية على خلافته أن الله عز وجل سماهم (صادقين) ومن شهد له الرب - جل وعلا- بالصدق فإنه لايقع في الكذب ولا يتخذه خلقاً بحال وقد أطبق هؤلاء الموصوفون بالصدق على تسمية الصديق (خليفة رسول الله) صلى الله عليه وسلم ومن هنا كانت الآية دالة على ثبوت خلافته .




7- الأحاديث التي أشارت الى خلافة أبي بكر :



وأما الأحاديث النبوية التي جاء التنبيه فيها على خلافة أبي بكر فكثيرة شهيرة متواترة ظاهرة الدلالة إما على وجه التصريح أو الإشارة ولاشتهارها وتواترها صارت معلومة من الدين بالضرورة بحيث لايسع أهل البدعة إنكارها ومن تلك الأحاديث.

أ- عن جبير بن مطعم قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك - كأنها تقول الموت- قال صلى الله عليه وسلم إن لم تجديني فأتي أبابكر.

قال ابن حجر: وفي الحديث أن مواعيد النبي صلى الله عليه وسلم كانت على من يتولى الخلافة بعده تنجيزها وفيه رد على الشيعة في زعمهم أنه نص على استخلاف علي والعباس.

ب- عن حذيفة قال: كنا عند النبي e جلوساً فقال: إني لا أدري ماقدر بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار الى أبي بكر وعمر (وتمسكوا بعهد عمار وماحدثكم ابن مسعود فصدقوه).

فقوله صلى الله عليه وسلم : (اقتدوا باللذين من بعدي) أي: بالخيلفتين اللذين يقومان من بعدي وهما أبوبكر وعمر وحث على الاقتداء بهما لحسن سيرتهما وصدق سريرتهما، وفي الحديث إشارة لأمر الخلافة.

ت- عن أبي هريرة عن رسول الله قال: بينما أنا نائم أريت أني أنزع على حوضي أسقي الناس فجاءني أبوبكر فأخذ الدلو من يدي ليروحني فنزع الدلوين وفي نزعه ضعف والله يغفر له فجاء ابن الخطاب فأخذ منه فلم أر نزع رجل قط أقوى منه حتى تولى الناس والحوض ملآن يتفجر.

قال الشافعي رحمه الله: رؤيا الأنبياء وحي وقوله: وفي نزعه ضعف قصر مدته وعجلة موته وشعله بالحرب لأهل الردة عن الافتتاح والتزيد الذي بلغه عمر في طول مدته.

ث- قالت عائشة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: (ادعي لي أبابكر، وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمى متمن ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلا أبابكر).

دل هذا الحديث دلالة واضحة على فضل الصديق حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقع في المستقبل بعد التحاقه بالرفيق الأعلى وأن المسلمين يأبون عقد الخلافة لغيره t وفي الحديث إشارة أنه سيحصل نزاع ووقع كل ذلك كما أخبر عليه الصلاة والسلام ثم اجتمعوا على أبي بكر

ج- عن عبيد الله بن عبدالله قال: دخلت على عائشة فقلت لها: ألا تحديثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: بلى ثقل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصلى بالناس. قلنا: لا وهم ينتظرونك يارسول الله. قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء، فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس. قلنا: لا وهم ينتظرونك يارسول الله فقال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس. قلنا: لا وهم ينتظرونك يارسول الله؟ قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله e لصلاة العشاء الآخرة قالت: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى أبي بكر أن يصلي بالناس فأتان الرسول فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال: أبوبكر، وكان رجلاً رقيقاً: ياعمر صلِ بالناس قال: فقال: عمر أنت أحق بذلك قالت: فصلى بهم أبوبكر تلك الأيام ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خفة فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر وأبوبكر يصلي بالناس فلما رآه أبوبكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتأخر وقال لهما: أجلساني الى جنبه. فأجلساه الى جنب أبي بكر وكان أبوبكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد. قال عبيدالله: فدخلت على عبدالله بن عباس فقلت له: ألا أعرض عليك ماحدثتني عائشة عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هات فعرضت حديثها عليه فما أنكر منه شيئاً غير أنه قال: أسمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت: لا قال: هو علي.

هذا الحديث اشتمل على فوائد عظيمة منها: فضيلة أبي بكر الصديق t وترجيحه على جميع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وتفضيله، وتنبيه على أنه أحق بخلافة رسول الله e من غيره ومنها أن الإمام إذا عرض له عذر عن حضور الجماعة استخلف من يصلي بهم وأنه لا يستخلف إلا أفضلهم، ومنها فضيلة عمر بعد أبي بكر لأن أبابكر لم يعدل الى غيره

د- قال عبدالله بن مسعود : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الأنصار:منا أمير ومنكم أمير قال: فأتاهم عمر فقال: يامعشر الأنصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبابكر يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبابكر فقالت الأنصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبابكر.

هـ- روى ابن سعد بإسناده الى الحسن قال: قال علي: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نظرنا في أمرنا فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد قدم أبابكر في الصلاة فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فقدمنا أبابكر.

وقد علق أبو الحسن الأشعري على تقديم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في الصلاة فقال: وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين الاسلام قال: وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة وأقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنّة، فإن كانوا في السنّة سواء فأكبرهم سناً، فإن كانوا في السن سواء فأقدمهم إسلاماً) - قال ابن كثير- وهذا من كلام الأشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق t وأرضاه

هذا ولأهل السنّة قولان في إمامة أبي بكر من حيث الإشارة إليها بالنص الخفي أو الجلي، فمنهم من قال: إن إمامة أبي بكر ثابتة بالنص الخفي والإشارة وهذا القول ينسب الى الحسن البصري رحمه الله تعالى وجماعة من أهل الحديث، وهو رواية عن الامام أحمد بن حنبل، رحمة الله عليه واستدل أصحاب هذا القول بتقديم النبي صلى الله عليه وسلم له في الصلاة وبأمره صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب إلا باب أبي بكر، ومنهم من قال: إن خلافة أبي بكر ثابتة بالنص الجلي وهذا قول طائفة من أهل الحديث، وبه قال أبومحمد بن حزم الظاهري، واستدل هذا الفريق بحديث المرأة التي قال لها: إن لم تجديني فأتي أبابكر، وبقوله لعائشة رضي الله عنها: ادعي لي أبابكر وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل أنا أولى ويأبى الله والمؤمنون إلا أبابكر، وحديث رؤياه صلى الله عليه وسلم : أنه على حوض يسقى الناس فجاء أبوبكر فنزع الدلو من يده ليروحه)

والذي أميل إليه ويظهر لي من خلال البحث: أن المصطفى صلى الله عليه وسلم يأمر المسلمين بأن يكون الخليفة عليهم من بعده أبابكر وإنما دلهم عليها لإعلام الله سبحانه وتعالى له بان المسلمين سيختارونه لما له من الفضائل العالية التي ورد بها القرآن والسنّة وفاق بها غيره من جميع الأمة المحمدية وأرضاه.

قال ابن تيمية رحمه الله: والتحقيق أن النبي صلى الله عليه وسلم دل المسلمين على استخلاف أبي بكر وأرشدهم إليه بأمور متعددة من أقوله وأفعاله وأخبر بخلافته إخبار رضي بذلك حامد له وعزم على أن يكتب بذلك عهداً ثم علم أن المسلمين يجتمعون عليه فترك الكتاب اكتفاء بذلك... فلو كان التعيين مما يشتبه على الأمة لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم بياناً قاطعاً للعذر ولكن لما دلهم دلالات متعددة على أن أبابكر هو المتعين وفهموا ذلك حصل المقصورد ولهذا قال عمر بن الخطاب في خطبته التي خطبها بمحضر من المهاجرين والأنصار: وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر...) الى أن قال: (فخلافة أبي بكر الصديق دلت النصوص الصحيحة على صحتها وثبوتها ورضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم له بها وانعقدت بمبايعة المسلمين له واختيارهم إياه اختياراً استندوا فيه الى ماعملوه من تفضيل الله ورسوله فصارت ثابتة بالنص والإجماع جميعاً لكن النص دل على رضا الله ورسوله بها وأنها حق وأن الله أمر بها وقدرها وأن المؤمنين يختارونها وكان هذا أبلغ من مجرد العهد بها لأنه حينئذ كان يكون طريق ثبوتها مجرد العهد، وأما إذا كان المسلمون قد اختاروه من غير عهد ودلت النصوص على صوابهم فيما فعلوه ورضا الله ورسوله بذلك كان ذلك دليلاً على أن الصديق كان فيه من الفضائل التي بان بها عن غيره ماعلم المسلمون به أنه أحقهم بالخلافة فإن ذلك لايحتاج فيه الى عهد خاص.



8- انعقاد الإجماع على خلافة الصديق :



أجمع أهل السنّة والجماعة سلفاً وخلفاً على أن أحق الناس بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبوبكر الصديق لفضله وسابقته ولتقديم النبي صلى الله عليه وسلم إياه في الصلوات على جميع الصحابة وقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مراد المصطفى عليه الصلاة والسلام من تقديمه في الصلاة فأجمعوا على تقديمه في الخلافة ومتابعته ولم يتخلف منهم أحد ولم يكن الرب جل وعلا ليجمعهم على ضلالة فبايعوه طائعين وكان لأوامره ممتثلين ولم يعارض أحد في تقديمه، فعندما سئل سعيد بن زيد متى بويع أبوبكر؟ قال: يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم : كرهوا أن يبقوا بعض يوم وليسوا في جماعة، وقد نقل جماعة من أهل العلم المعتبرين إجماع الصحابة ومن جاء بعدهم من أهل السنّة والجماعة على أن أبابكر t أولى بالخلافة من كل أحدوهذه بعض أقوال أهل العلم:

أ- قال الخطيب البغدادي -رحمه الله- أجمع المهاجرون والأنصار على خلافة أبي بكر قالوا له: ياخليفة رسول الله ولم يسم أحد بعده خليفة، وقيل: إنه قبض النبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاثين ألف مسلم كل قال لأبي بكر: ياخليفة رسول الله ورضوا به من بعده رضي الله عنهم

ب- وقال ابو الحسن الأشعري: أثنى الله -عز وجل- على المهاجرين والأنصار والسابقين الى الاسلام، ونطق القرآن بمدح المهاجرين والأنصار في مواضع كثيرة وأثنى على أهل بيعة الرضوان فقال عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (سورة الفتح، الآية 18). قد أجمع هؤلاء الذين أثنى الله عليهم ومدحهم على إمامة أبي بكر الصديق وسموه خليفة رسول الله وبايعوه وانقادوا له وأقروا له بالفضل وكان أفضل الجماعة في جميع الخصال التي يستحق بها الإمامة من العلم والزهد وقوة الرأي وسياسة الأمة وغير ذلك.

جـ-وقال عبدالملك الجويني: أما إمامة أبي بكر فقد ثبتت بإجماع الصحابة فإنهم أطبقوا على بذل الطاعة والإنقياد لحكمه ... وماتخرص به الروافض من إبداء علي شراساً، وشماساً في عقد البيعة له كذب صريح، نعم لم يكن في السقيفة وكان مستخلياً بنفسه قد استفزه الحزن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دخل فيما دخل الناس فيه وبايع أبا بكر على ملأ من الأشهاد

د-وقال أبو بكر الباقلاني في معرض ذكره للإجماع على خلافة الصديق : وكان مفروض الطاعة لإجماع المسلمين على طاعته وإمامته وانقيادهم له حتى قال أمير المؤمنين علي عليه السلام مجيبا لقوله لما قال: أقيلوني فلست بخيركم، فقال: لانقيلك ولانستلقيلك قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ألا نرضاك لدنيانا يعني بذلك حين قدمه للإمامة في الصلاة مع حضوره وإستنابته في إمارة الحج فأمرك علينا وكان أفضل الأمة وأرجحهم إيماناً وأكملهم فهماً وأوفرهم علماً






التوقيع :


شكرا ً دكتورة ميمة , تسلم يمينك

[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا]


تسلم يمين من سوت التوقيع



كن شامخاً في تواضعك ،،

ومتواضع في شموخك ،،

فتلك واحدة من صفات العظماء ..
  رد مع اقتباس
رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
طرق مشاهدة الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
الانتقال السريع إلى

 
     
  منتدى يحتوي مشاركات جديدة   منتدى لا يحتوي مشاركات جديدة   منتدى مغلق عن المشاركات


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 02:32 AM.


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2009, Jelsoft Enterprises Ltd.

تعريب » دوائر للتصميم و البرمجة